الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري أحد الأساتذة المتخصصين في التاريخ والسيرة النبوية حيث أسهم في التدريس والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه ولا يزال، وله ما يزيد على خمسة وثلاثين بحثاً منشوراً وواحد وثلاثين كتاباً مطبوعاً،كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات في عدد من دول العالم، وأدار العديد من الدورات العلمية في أمريكا وكندا واستراليا ونيوزيلندا وآسيا.
د. عبدالعزيز عضو في اتحاد المؤرخين العرب، وفي اتحاد المؤرخين الخليجيين، وعضو في الجمعية التاريخية السعودية وغيرها من الجمعيات الخيرية. إضافة إلى عضوية مجلس أمناء الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وله إسهامات خيرية ووطنية متعددة في شتى المجالات.
«الجزيرة» كان لها حوار مع د. العُمري تناول قضايا تتعلق بالتاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وقضايا الأمن الفكري وغيرها. وفيما يلي نصّ الحوار:
أنتم من المتخصصين في السيرة النبوية؛ كيف تُقوِّم اهتمام المسلمين بصفة عامة، والشباب على وجه الخصوص، بالتعرف على تاريخهم الإسلامي؟
- أولاً، التاريخ هو موجه، ويدفع الإنسان لمعرفة جذوره الحضارية والأصلية، ولا شك أن الوسائل المعاصرة استُفيد منها في توجيه بعض الشباب لمعرفة تاريخهم وأصله؛ إلا أن شواغل الناس في هذا الزمن كثيرة عن الاطلاع على علوم أصلية كثيرة ومفيدة، ومنها علم التاريخ أو علم الاجتماع أو غير ذلك. ولازال في الناس خير لمعرفة تاريخهم وحضارتهم.
ولا زال التاريخ موجها لكثير من الصراعات والمنجزات في العصر الحاضر وتحديد هوية الأمم والدول. فلا يمكن تجاهل التاريخ في أي حال من الأحوال، فمنه يمكن أن ينطلق الحاضر ويُرسم المستقبل؛ إلا أن نسبة الاهتمام اختلفت كثيراً، كان التاريخ في السابق ينبع من الكتب والقراءات، الآن يمكن أن تكون الأفلام الوثائقية وغيرها من المنتجات الإعلامية الحديثة مصدراً مهماً لمعرفة التاريخ إن أُحسن استغلالها وما زال عندنا قصوركبير في هذا الجانب.
كيف يمكن توظيف دراسة التاريخ الإسلامي في خدمة القضايا الإسلامية المعاصرة؟
- الأمم كلها تنطلق في تطورها وقوتها من تاريخها، ولا شك أن ما يجري في المنطقة من صراعات، وخصوصاً الصراع الإسلامي والعربي الإسرائيلي، منطلقه التاريخ بالدرجة الأولى واعتقاد اليهود بأحقيتهم التاريخية في دولة فلسطين؛ مما دفعهم للقتل والإرهاب في المنطقة، وقيام دولتهم على أشلاء الأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني الذي ضُحِّيَ به لأجل تحقيق هذا الهدف التاريخي عندهم. ولذلك فالأوضاع في أي منطقة في العالم لا يمكن إبعادها عن التاريخ، وخصوصاً أن هناك مناطق لها تاريخها الخاص كمنطقتنا العربية والإسلامية، وبالتالي نستطيع أن نوظف التاريخ في الدفاع عن قضايا الأمة والحرص على ثوابتها وأيضاً على أن تنطلق مرة أخرى كأمة قائدة حضارية متميزة وفريدة، وهذا ما يخشاه الغرب. فالتاريخ ولاشك بجذوره وبمكوناته السابقة يعطي دفعة في قضايا الأمة الحاضرة، وفي تنميتها، وفي بروزها، وفي محاولة عودتها لقيادة العالم قيادةً إنسانية حضاريةً قائمةً على تقديم الخير للجميع. والرحمة بالكل، وتقدير قيمة الإنسان وكرامته.
كيف لشباب اليوم أن يعتز بانتمائه لحضارة الأمة وتاريخها؟
- الحقيقة شُغِلَ شبابنا في هذه الأيام بأموركثيرة جداً هامشية ومائعة وطارئة وفارغة على حساب الهمّ الحضاري والمعرفة التاريخية الحقيقية!. ولا شك أن تذكير الشباب بالمبدعين والمبرزين عبر التاريخ الإسلامي وحضارته من شباب الأمة في مختلف الأعمال، منها الأعمال والمناصب والمنجزات السياسية التي قام بها شباب صغار عبر العصور الإسلامية ودوله المختلفة، وكان لهم دور بارع، وكذلك في المجال العلمي الذي أيضاً فاق فيه الشباب في حينه. أو في مجالات الاقتصاد، ومجالات الإبداع المختلفة. ولذلك الحضارة انتماء وحضارة الإسلام إنسانية بالدرجة الأولى هدفها الخير والبر والإحسان لكافة البشر وليس فقط للمسلمين. ولذلك ما يتعرض له الإسلام من هجمة وتشويه وربط بالأعمال السيئة التي كثير ممن يقومون بها كالإرهاب وغيره أصلاً هم يضرون بالإسلام أكثر مما يفيدونه. ولذلك فلا بد أن يعي الشباب هذا الخطر وأن يدركوا أن شباب الإسلام عبر العصور المختلفة يحمل الرحمة والسلام وأنهم تعلموا من رسول الله وهو قائدهم الأول أن الابتسامة فيها أجر ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة))، وهذا هو الإسلام الذي ينبغي أن يتعلمه شباب المسلمين ويدركوا كيف طُبِّق عبر قرون مختلفة كانت الريادة فيها للعالم من قِبَلِ شباب المسلمين.
بصفتكم عضواً في مجلس أمناء الندوة العالمية للشباب الإسلامي، هل أنتم راضون عن مسيرة الندوة في خدمة شباب الأمة؟ وما هو موقفها من مساعدة ومؤازرة البلدان الإسلامية المنكوبة؟
- آمل أن يوجه هذا السؤال إلى المسؤولين التنفيذيين في الندوة، ولكني كراصد وكمؤرخ أُدرك أن الندوة العالمية للشباب الإسلامي نبتة مباركة في المملكة العربية السعودية وبرعايتها وتغذيتها منذ أيام الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، ولها ثمرات كثيرة جداً جداً، وآمل أن تستمر في العطاء وفي أداء دورها، وهي ولا شك من الأذرع الناعمة التي تخدم الإسلام وتخدم المملكة العربية السعودية وتوجهاتها. ولا يوجد حادث وحدث في الأمة إلا وللندوة فيها إسهامات إيجابية.
أصدرتم عدة كتب عن السيرة النبوية بمسميات مختلفة؛ ألا ترون أن ذلك تكرار؟ وما الجديد في تلك الإصدارات؟
- أولاً بفضل الله سبحانه وتعالى، لي ما يقارب التسعة كتب، كلها عن السيرة النبوية، ولا أرى أن فيها تكراراً، وإن كان هناك بعضٌ من التكرار في جوانب معينة، وخصوصاً في المُختصر من كتاب أصلي. لدي كتاب عن بناء المجتمع المدني في السيرة النبوية وهو كتاب مركز على هذا الجانب، وكتاب آخر عن التخطيط والإدارة في السيرة النبوية وهو مركز أيضاً على هذا الجانب، أما الموسوعة الكبرى فتقع في خمسة مجلدات وهي: (رسول الله وخاتم النبيين) وكل مجلد له عنوان مستقل، منه: الدولة الإسلامية العالمية وفيها عن المعايشون للمصطفى، وفيها عن مغازي رسول الله، وفيها عن الهجرة وبناء الدولة الإسلامية إلى غير ذلك، فلا أعتقد أن بداخل الكتاب تكرارا ولا تكرار مع الكتب الأخرى، هذا وإني أدرك أن مواضيع السيرة النبوية متقاربة، وإن كثرة الكتابات عن رسول الله هي جزء من حقه علينا، وإننا لنتقرب إلى الله بذلك، ولا أظن أننا نتعمد التكرار، فليس في ذاك تكرار؛ لأن السيرة النبوية لها جوانب مختلفة، فهي كالبناء، كل ينظر من زاوية ومن واجهة مختلفة. أما كتاب الاصطفاء الذي هو مختصر أصلاً من الكتاب الشامل الكبير، فقد اختُصر عمداً بناءً على طلبات متعددة ولوجود توجه لترجمته، هذا ولله الحمد انتهت ترجمته للغتين، وفي الطريق لترجمته للغتين أخريين بإذن الله.
قدمتم دراسات وأبحاثا في الأمن الفكري؛ تُرى، كيف ترون أهميته في المجتمعات؟ وما الآلية المناسبة لتطبيقه وترسيخه؟
- أولاً، بفضل الله طرحت بحثا في مؤتمر الأمن الفكري -حول محور الإعلام والأمن الفكري- الذي عُقِدَ تحت رعاية سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمة الله عليه. وطرحت في هذا البحث أثر الإعلام في الأمن الفكري، وتطرقت إلى دراسات ميدانية لعدد من القنوات والشبكات الإعلامية التي تُبث على أهلنا وشبابنا في المملكة وفي المنطقة. وأبديت رأيي في بعض هذه الأشياء، وأنا لا أشك على الإطلاق أن هناك توجهات فكرية معينة تقودكثيرا من هذه القنوات، وليس هدفها نفع الناس، إنما هدفها إيجاد تحول حضاري وسلوكي وأخلاقي بين الأبناء والأهل بالدرجة الأولى. وهناك دراسات نفسية دقيقة أُعدت لهذه القنوات والقائمين عليها. وأعتقد أن تأثيرها سلبي وليس إيجابيا، ولذلك فإن الأمن الفكري مهم جداً، وأحد قادته في هذا المجال هو الإعلام، وإن كان قد انضاف إلى ذلك في السنوات الأخيرة وسائل التواصل الاجتماعي، لكن فيها شيء من التكافؤ، وفيها شيء من السوء وفيها شيء من الخير، والفرصة متاحة للجميع. وأعتقد أن أهم قضية فيما يتعلق بالأمن الفكري هي قضية الحرية العامة في الحدود الشرعية والنظامية، وألا يتم التضييق على الناس في أفكارهم، إنما يتم محاسبة المخطئ على خطئه، والأصل هو الحرية والانطلاق فيما لا يتعارض مع حقوق الله وحقوق الناس ومحاسبة المخطئ عندما نلجأ ويضطرنا إلى ذلك. بعيداً عن تضييق الحريات على المفكرين.
كيف ترى الدعوات الأخيرة لتجديد كتابات السيرة النبوية؟ وما أسباب ذلك؟
- الحقيقة إن السيرة النبوية كأحداث وروايات، ليست بحاجة إلى تجديد؛ فهي ثوابت وتاريخ ماض لا يمكن تغييرها. لكن إذا ما نظرنا في جانب فقه الأحداث وفقه السيرة والاستفادة منها وربط الكثير منها بواقعنا المعاصر، نعم فإن هذا يحتاج إلى تجديد كبير، سواءً كان ربط السيرة بالجوانب السياسية أو الجوانب الاقتصادية أو الجوانب الفكرية أو الجوانب الإنسانية عموماً. ولذلك فإن السيرة وكما وصف الله سبحانه وتعالى صاحبها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} فهو -صلى الله عليه وسلم- في حياته وفي سيرته قدوة للمؤمنين إلى يوم القيامة. وإن الفقه والاستفادة من هذه الحوادث يتجدد ولا يتوقف في كل زمان ومكان، والتأليف عن رسول الله سيستمر إلى قيام الساعة في المجال الكتابي بالدرجة الأولى، ولعل أيضاً من الإنتاج الذي ينبغي أن تتوجه له الأمة الآن هو ما يتعلق بالأفلام الوثائقية المرتبطة بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن تقوم عليها جهات مختصة، مثل: دارة الملك عبدالعزيز، أو مركز بحوث ودراسات المدينة، أو مركز الدراسات التاريخية بمكة المكرمة، والجامعات وكراسي بحوث السيرة النبوية وغيرها من المراكز المتخصصة؛ وذلك لأننا في عصر مشاهدة وليس عصر قراءة فقط. وكما قلت ستستمر الأعمال بالأوعية والوسائل المختلفة إلى قيام الساعة، لأن ذلك فيه -وكما وصف الله سبحانه وتعالى- رفعٌ لذكر رسول الله (ورفعنا لك ذكرك).