«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
ذكر لي أحد الزملاء القدامى أن أكثر الدروس التي تعلمها قيمة هو ذلك الدرس الذي تعلمه عندما كان فتى صغيرا حيث اصطحبته معها إلى (حوش البهائم)، وبالتحديد إلى حيث تقبع دجاجاتها المحلية «البلدي». وأخرجت من تحت إحداها ما توفر تحتها من البيض ووضعتها في «بادية» مازال لونها الأبيض المحاط بزهور بسيطة.. بعدها توجهت إلى المطبخ المتواضع ووضعت البيض في قدر صغير أخذ بعدها مكانه على جمر «الموقد»، وبعد فترة قامت بتصفية الماء من القدر وقد فترت حرارته، ثم ناولته بيضة وهي تقول له أمسك بهذه البيضة يا ولدي.؟! وبينما كان يحاول امساكها في حيرة.؟! فقالت له أمه أنت لاتدري ماذا تفعل بهذه البيضة. صحيح يا ولدي. فرد عليها وهو يعيد اليها البيضة. نعم يا أمي لا أعرف ماذا أفعل.؟ فقالت والدته: نعم، يجب أن تتعلم عندما يعطيك أحدهم بيضة ساخنة أعدها إليه سريعا.
فربما لسعت حرارتها يدك! وأضاف إن والدته راحت تشرح له كيف يقوم بسلق البيض، وكذلك كيف يقوم بعمل «الشكشوكة» بالطماطم والبصل، رغم أن ذلك الوقت كما يقول المطاطم لم يكن معروفا كثيرا لدى العديد من الأسر. اللهم الغنية والثرية. وأضافت والدته كيف يوضع البيض داخل الدجاجة المحشية جنبا إلى جنب مع المكسرات والبقوليات.. وراحت تضيف إلى حديثها وهي تمسح العرق الذي نضح على وجهها بحكم قربها من الموقد وحرارته.. قال له: الحياة يا ولدي سوف تكون صعبة جداً ستقابل في حياتك في المدرسة غيرها أشخاصا يتظاهرون بالغباء محاولين تعلم ماتعرفه أنت، إنهم يجلسون ويستفزونك محاولين تعلم ما تعرفه. بعبارة أخرى ماذا ستفعل بالبيضة الساخنة، وربما تتردد طويلا حتى تفقد البيضة سخونتها وحينها تصبح البيضة لهم.؟! وبحسب معلومات والدته المتواضعة في ذلك الزمن الجميل راحت تعدد كيف يدخل البيض في عشرات الأطعمة وعلى الأخص في وجبات الفطور والعشاء.. وفي الاستراحة التي تجمعنا بين فترة وأخرى طبق من البيض والمارتدلا. تناوله الجميع بشهية مفتوحة. وقال معلقا: لقد اكتشفت أسرارا عديدة للبيض يجعلك تعد منه أصنافا وأطباقا بسيطة ورائعة وسريعة التحضير .. طبعاً تعلمت أيضا أطباقا أخرى عندما كنت أدرس قبل عقود على حساب شركة النفط في أمريكا.
فالغربة والعزوبية جعلتني أبحث في المكتبات وما أكثر ها عن كتب الطبخ المخصصة عن البيض وفنونه، وكيف تعد العشرات من الأطباق منه، بل إنك لاتستطيع حفظ المئات من الأطباق الشهية واللذيذة التي تعتمد على الشيخ البيض.؟!
هذه الحكاية عن البيض أعادتني إلى أحد المعارف والذي يملك مزرعة دواجن كبيرة منتجة للآلاف من الأطباق والتي تحظى بإقبال كبير جدا في أسواقنا. ولأهمية البيض انتشرت مزارع الدواجن والبيض في مختلف مناطقنا ومدننا. فنحن شعب مثل غيرنا في العالم نستهلك البيض ونحبه بصورة دائمة أليس كذلك..؟!