فهد بن جليد
المغازلجية هم المغازلجية في كل عصر وزمان، تختلف الأدوات، ولكنهم يعودون للمربع الأول (الترقيم) في كل مرة، فأرقام الهواتف التي كانت تُكتب على أوراق صغيرة استبدلت بالجوالات، وأرقام الجوالات التي تكتب على (صحائف كبيرة) استبدلت حالياً بمُلصقات حسابات التواصل، ومما أسعدني مؤخراً أن المرور أعلن إلصاق حساب (سناب شات) على السيارة مُخالفة مرورية.
لا يمكنك اعتبار إلصاق حساب (سناب شات) أو ماسنجر (بلاك بيري)، أو حساب تويتر، انستقرام.. إلخ على مؤخرة السيارة عملاً بريئاً الهدف منه التواصل مع المجتمع، بكل تأكيد هناك سوابق سيئة (للمُلصقات), كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتبر ذلك (سابقاً) مُخالفة أخلاقية تستوجب المُساءلة، بينما المرور يطاردها اليوم كمُخالفة (مرورية) خشية تأثير الملصق على معالم السيارة، وربما تشتيت وإشغال السائقين الآخرين.. إلخ!
المُثير في الأمر أن كل منا يستطيع وضع جميع حساباته الشخصية ونشرها عبر وسائط تواصل أخرى في العالم الافتراضي، المجتمع يعتبر أنك تمارس حقك الطبيعي في نشر وسائل تواصلك الاجتماعي، بينما ينكرون عليك بشكوك وتهم، نشرها في الواقع!
صور التناقض المجتمعي في هذا الباب عجيبة وغريبة، فعبر وسائل التواصل الاجتماعي تُقبل علاقات وصداقات وحوارات ونقاشات بين الجنسين في مُختلف القضايا، المُجتمع يعتبر ما يحدث جزءاً مهماً من التطور والتعاطي مع التقنيات، بينما يرفض أن يتحول هذا النقاش والحوار إلى الواقع، فلا الأب أو الأخ أو الزوج في الكثير من الحالات لديه الاستعداد للنزول عن برجه العاجي، والقبول بسماع رأي المرأة في بعض المواضيع الحساسة أو الهامة، بينما هو يناقش أخريات ويتفهم رأيهن فيها عبر وسائط التواصل الجديد!
أحد الأطباء النفسانيين، أخبرني بأن حالات مرضية جديدة بدأت تظهر في بعض البيوت نتيجة هذا التناقض، وهو ما يؤدي أحياناً إلى الانفصال بين الزوجين، فالرجل يلبي طلبات زوجته التي ترِده عبر (السناب) مثلاً، ويقبل بما تقول، وفجأة يرفض أن تناقشه أو تطرح نفس الأمور بينهما عندما يلتقيان (وجهاً لوجه).
الأمر بات يهدد بيوتنا، مع تزايد المشاعر الزائفة، فأنت كمن يتهرب من توصيل جاره عند تعطل سياراته، بينما يُعبر مساندته وتعاطفه واستعداده للفزعة بعد أو تغريدة أو سنابة ينشرها الجار عن (تعطل سيارته)!
وعلى دروب الخير نلتقي.