فيصل خالد الخديدي
تعيش الحوائط في كثير من المدن حالة من الضجيج بكتابات ورسومات منها الجميل واللائق ومنها غير ذلك بكثير، اجترحها على جسد تلك الحوائط أيدي شبان مجهولون لا يحبون الظهور إلا من خلال عباراتهم ورسوماتهم التي تتنوع بين كلمات العشق والغرام وحكم لا تليق ان تكتب على حوائط الشوارع، ورسومات لامست الإبداع وتجاوزته وأخرى لم يتجاوز الحال بها شخبطة وفضفضة وعبث جنون بعيدة عن كل ما يمس الفنون، أما العابرون والمشاهدون لتلك الرسومات والكتابات منهم من يراها نوعا من بوح الشارع وصوته المكتوم وإبداعه المحروم من الظهور إلا في الحوائط الخلفية للمدن الحالمة، وآخرين يرونه عبث وتشويه للممتلكات العامة وانتهاك لحقوق الخاصة خصوصاً من اكتوى حائط منزله بشيء من ألوان عابثة وعبارات غير لائقة، إن علاقة الإِنسان مع الرسوم والكتابة على الحوائط قديمة قدم الإِنسانية والرسوم على حوائط الكهوف وجدرانها كانت أولى التعابير الإِنسانية على الحوائط بلغة الخط والرسم، وتلا ذلك الرسوم الحائطية على الجدران الفرعونية وتوالت علاقة البوح الإِنساني على جسد الحائط حتى بداية الستينات في العصر الماضي، وظهرت العلاقة بشكل أكثر تنظيماً وتقنيناً فيما عرف بالفن الغرافيتي في أوروبا وكان لغة الشارع في الاعتراض على الكثير من الأمور السياسية والاجتماعية بصوت صامت ولغة بصرية عالية النبرة والتنوع في معظمها.
الفن طاقة لدى الشباب فإن لم توجه وتستثمر وتقنن بشكل إيجابي فإنها ستكون عبثاً وفوضوية وتشوه وتلوث بصري للمجتمع والممتلكات العامة، ويمكن استثمار طاقات هؤلاء الشباب وتوجيهها بتكاتف الجهود بين المؤسسات الثقافية والأمانات والبلديات وتخصيص مساحات حرة في المدن لرسم الحوائط وتحويل التلوث البصري إلى دعم للمواهب الشابة ودمجهم في مجتمع الفنانين والاستفادة من طاقاتهم وإبداعاتهم ليكون إبداعهم يسطر على واجهات الحوائط تحت الضوء وبرسائل إبداعية وجمال بصري يضيف الحسن للحوائط الإسمنتية في الأنفاق والكباري والجسور والحدائق والحوائط المجهزة لنشر إبداعهم وتوظيفه بالشكل الذي يليق بأن يسجل كل فنان منهم اسمه الصريح على حائطه عوضاً عن أن يكونون كالمطاريد يبدعون بالظلام ليكشف ضوء الصباح صوت مواهبهم المكبوتة بين عدم تقبلهم مجتمعياً وإهمالهم مؤسساتياً.