أحمد بن عبدالرحمن الجبير
لن يؤثر قانون «جاستا» على اقتصادنا، هناك ما يحول دون تأثيره في القانون نفسه، وفي القضاء الأمريكي، وهناك رفض دولي لما يتعلق بالشق السيادي منه، لأن ذلك يُعد انقلاباً على العلاقات الدولية، كما أنه لن يؤثر على استثماراتنا لعدة أسباب، من بينها أن القانون يشير إلى عدم تجميد الأموال، وأيضاً الكونجرس برأ المملكة وفقاً للصفحات السرية الـ28، والتي نشرت مؤخراً، إضافة إلى موقف العديد من مؤسسات صُنع القرار إلى جانب المملكة، ناهيك عن أن استثماراتنا تأتي بالدرجة الثالثة بعد اليابان والصين.
فالمملكة حرصت على تنويع اقتصاداتها، واستثماراتها الدولية، وغالبيتها محصّنة، وأن الغرض من القانون لمزيد من الضغط والابتزاز، ونهب ثروات الآخرين، وأن لدينا من التجارب والعلاقات داخل أمريكا ما يحول دون استهدافنا، والإساءة لنا، فثمة علاقات خاصة تربطنا والشركات الأمريكية الكبرى، وإذا ما تحركت المملكة، فإنها قادرة على الضغط، والتأثير في القرار الأمريكي، وأيضاً لديها أصدقاء كثر حول العالم للضغط على الإدارة الأمريكية، فالعالم ليس تحت سيطرة أمريكا، والآن نشاهد ولادة تعددية قطبية عالمية، سيكون لنا فيها قرار كبير.
الاقتصاد السعودي متنوع، ولا يعتمد على الاقتصاد الأمريكي فقط، وإن كان يرتبط بالدولار, وقد مرت المملكة بأزمات مالية، واقتصادية متعددة، وتعدتها بسلام، واقتصاد المملكة قوي، ولا تؤثر فيه الهزات العارضة بحسب تجارب سابقة، مثل ما حصل أثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، وأيضاً عندما تم تخفيض التصنيف الائتماني الأمريكي ولم يؤثر في اقتصاد المملكة.
سمو الأمير محمد بن نايف أوضح في كلمته أمام جمعية الأمم المتحدة، أن المملكة والمجتمع الدولي استغربوا من إصدار مثل هذا القانون، حيث إن المملكة قد عانت من الإرهاب قبل أحداث 11 سبتمبر، حينما تعرّضت في عام 1992م إلى أكثر من 100 عملية إرهابية بعضها تم تنفيذه من قِبل عناصر مرتبطة بدولة إقليمية، وتمكّنت المملكة من الكشف عن 265 عملية إرهابية وتم إحباطها قبل وقوعها.
وللمملكة دور في تأسيس التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب في العاصمة الرياض من قِبل 40 دولة إسلامية، وأصدرت بموجبه أنظمة وإجراءات، وتدابير تدين وتجرِّم الإرهاب وتمويله، كما أن هيئة كبار العلماء السعودية حرمت الإرهاب وتمويله، وتم إنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة.
فالمملكة تُعد شريك إستراتيجياً واقتصادياً لأمريكا، وأن هذه الشراكة تمتد إلى عدة سنوات، وتشمل مئات المليارات من الدولارات المستثمرة في السعودية وأمريكا، لكن قانون «جاستا» هدفه ابتزاز سياسي واقتصادي للدول، وفيه عنصرية، وتحريض ضد العرب والمسلمين، وريما يجعل دولاً ومنظمات وأفراداً تطلب الثأر من أمريكا، وسياستها التي تكيل بمكيالين، وتحكم العالم بمعايير مزدوجة.
وإصدار مثل هذا القانون ربما يُعرّض المسؤولين الأمريكيين للتهديد إذا ما تم انتهاك الحصانة السيادية للدول عبر مقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية، وسيفتح الباب أمام خصومات مع دول عديدة من بينها حلفاء تاريخيين، وإستراتيجيين لأمريكا، وسيضر بمصالحها مع الدول الأخرى، وفي المقابل تم رفع قضية ضد ضباط أمريكيين لدى القضاء التركي تتهمهم بدعم الانقلاب الفاشل، وهي خطوة قد تتبعها خطوات في المجتمع الدولي.
السعودية لن تصمت بعد إقرار قانون «جاستا»، وتم إنشاء جهة للتعامل المباشر بالريال واليوان الصيني كخطوة استباقية قد تُبنى عليها خطوات إستراتيجية أخرى، خصوصاً وأن الصين أكبر المستوردين للنفط السعودي، ولأن السوق الأميركية لن تكون آمنة للاستثمارات، مما يعني إعادة تشكيل الاستثمارات السعودية، وتوزيعها وفق الدول الأخرى الأكثر أمناً، وهذا أمر طبيعي كان من الواجب اتخاذه منذ فترة.
والمملكة اليوم أقوى من أي وقت مضى، وما عاصفة الحزم إلا مثال بسيط على ذلك والعالم فيه دول غير أمريكا، كالصين وروسيا والهند واليابان والتي لها علاقات إستراتيجية مع المملكة، ومع ذلك فإننا لا نتوقع وقوع أضرار حال تطبيق قانون «جاستا» في حال استخدمنا الأسلوب الأمثل في التعامل مع أميركا لأن السعودية تربطها علاقات تاريخية وإستراتيجية مع أميركا.
فحجم الآثار الاقتصادية المترتبة على قانون «جاستا» سوف يكون له أضراره على الجانب الأمريكي، فالدول المستثمرة فيها كالصين واليابان وغيرها من الدول ستخشى على مصالحها وستعيد النظر بها، على ضوء التعامل الأمريكي مع حليف إستراتيجي، فما بالك مع منافس اقتصادي، وآخر إستراتيجي، والأمل أن تسود الحكمة والعقل، وأن يتخذ الكونجرس الأمريكي الخطوات اللازمة لإلغاء قانون «جاستا» أو تعديله.