محمد الحسن العماري
لطالما تفاخرت الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخها القديم مع العنصرية باعتباره ملفا «أسودا» وتم طيّه. ولأكثر من قرنين حاولت القوى السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة امتصاص الاختلاف وصهره في قالب «أمريكا الجديدة». وبشكل رسمي وغير رسمي يتم ذكر هذه الحقبة السوداء تاريخيا بأنها مرحلة من الماضي وتم تخطِّيها، سواء مع الهنود الحمر أو السود أو الأقليات وغيرهم. هذا الاعتراف يتم سرده إلى اليوم ضمن مصادر التعليم الأمريكي ونصب شواهده في المتاحف والمعارض المتخصصة. معيار القوة من وجهة نظرهم أنه برغم قوة الاختلاف ودمويته إلا أن الناتج هو بناء كيان أممي مسيطر يجمع الكل تحت علم واحد! فهل هذا صحيح!
جزئيا نعم. لكن الحلم الأمريكي للمساواة والحريات لم يستمر كما تمنى الجميع. حتى مع وصول أول أمريكي من أصول إفريقية إلى قيادة البيت «الأبيض» إلا أن جلوسه على كرسي الرئاسة كان شاهدا على عشرات الحوادث العنصرية، والمواجهات بين السود وأحفاد المستعمرين البيض سواء في قضايا فردية أو مؤسسية أو على المستوى الفدرالي. هناك دراسات تصف ملف التمييز العنصري خلال الثمان السنوات الأخيرة بـ «الواسعة والعميقة»، والمؤشرات الاجتماعية تؤكد أن العنصرية طفحت على أكثر من مستوى في الولايات المتحدة وأن الوضع الحالي هو «بزوغ لمرحلة مخيفة».
القوانين الأمريكية تحرّم التمييز العنصري، وهذه القيود القانونية هي اللجام الحقيقي لممارسة التمييز داخل المجتمع الأمريكي. هناك مثالب في هذا القانون وبإمكان ممثلي القانون والحقوق الالتفاف عليه، لكن الحوادث الأخيرة والمظاهرات كان لها صوت أعلى بأن العقود الماضية لمعالجة القضية لم تكن إلا مسكنات. بمعنى أن جذور قانون الحقوق المدنية والذي تم سنّه في عام 1964م لم يقض على التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي، والسبب أن قوة القانون لم تغلب قوة المجتمع.
المرشح الرئاسي دونالد ترامب شاهد على هذه النتيجة. وكان سببا رئيسيا لإيقاظ خلايا التمييز العنصري داخل المجتمع الأمريكي. مناصروه النائمون سابقا، ومنهم الممتدون على أطراف الجبال أو ما يسمون بـ «الرقاب الحمر» هم الأكثر ولاءً ودعما لتوجهاته لأنه دغدغ أحاسيس المستعمر القديم بداخلهم. زيارة سريعة لسفوح جبال تينسي وويست فيرجينيا وجارتها فيرجينيا وولايات مشابهة تعطيك التشخيص الحقيقي للمجتمع الذي لم يقبل حتى اللحظة تعايشه الكامل مع طرف آخر حتى ولو تم قطع سره داخل الكونغرس أو قدم حياته لحماية العم سام. ومن حياة الريف والمزارع إلى المدن الحضارية ومواطن المعرفة والتقدم، يتم ممارسة هذه «التقية» أي قبول المساواة والحرية «شكلا» وصدّها «مضمونا».ما قام به ترامب هو إيقاظ العملاق العنصري داخل المجتمع، وعزز مفهوم الاستعمار القائم على نبذ الآخر وعدم مشاركته في الحلم الأمريكي، وهذا يتناقض مع مسلمات «أمريكا الجديدة». بلغة أخرى، ترامب رئيس أمريكي حقيقي ينتمي لحقبة المستعمرين الذين لا يؤمنون بـ «أمريكا الجديدة». والكارثة هي أن يقود هذا الفكر «المكارثي» الجهاز الإداري للولايات المتحدة الأمريكية.