علي الصراف
وما أكثر المفارقات بين القول والعمل. حتى لتبدو «الثورة الإسلامية» المزعومة في إيران ثورة نفاق أكثر منها أي شيء آخر.
لغة العداء التي تمارسها طهران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لا يسخر منها شيء كمثل أعمال التواطؤ والتعاون الضمني بين الطرفين.
العراق وحده نموذج كافٍ للدلالة على طبيعة المفارقة. فبينما ظلت طهران تبيع بضاعة العداء تلك، كانت مليشياتها الطائفية لا تحتمي بدعم الاحتلال الأمريكي فحسب، ولكنها وقعت معه اتفاقات أمنية واقتصادية تكفي لتقول إن ذلك العداء كان بالأحرى غطاءً مهلهلا لمصالح مشتركة.
ومثلما تم نحر كل مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان لا تتلحف بعباءة «الولي اللافقيه»، فقد تم سحق كل مقاومة للاحتلال الأمريكي لم تتلحف بالمشروع الطائفي الإيراني في العراق، إنما من أجل تغذية مشروع للتمزيق والتفتيت يضع الطائفة فوق الوطن، ويضع سلطة المليشيات فوق سلطة الدولة الوطنية.
المشروع الإسرائيلي لتفتيت دول المنطقة على أسس طائفية ودينية وعرقية ليس جديدا على أي حال. ومن يذكر «إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات»، تلك الوثيقة الإسرائيلية المعروفة التي صدرت بالتوازي مع قيام «الجمهورية الإسلامية»، يستطيع أن يتساءل: من هم أولئك الذين ينفذون هذا المشروع اليوم؟ ومن هو المستفيد من مشروع الكانتونات الطائفية الذي ترعاه إيران في العراق ولبنان وسوريا؟ ولمصلحة من يجري العمل على تقسيم العراق إلى أقاليم ذات طبيعة طائفية؟ ولماذا أصبحت «المحاصصات الطائفية» هي الصفة الغالبة على كل نشاط لأتباع طهران في بغداد؟ وهل تخدم الطائفية أي أحد غير إسرائيل التي تسعى إلى تمزيق كل شبر في المنطقة، من أجل أن تسحق كل مشروع لبناء دولة وطنية، وأوله المشروع الوطني الفلسطيني؟
وكم هي شريفة تلك العمائم التي ظلت تنمو وتقوى تحت «زيزفون» الاحتلال الأمريكي للعراق؟ ولو كانت تلك العمائم شريفة، ولا تخفي تحتها دجلا، أفهل كان يجوز أن تجد نفسها في خندق واحد مع «الشيطانين «الأكبر» و»الأصغر» معا؟ وعندما ضاق بهم الأمر، فلماذا استلهم عملاء إيران في بغداد تجربة الجدران العنصرية الإسرائيلية؟
لماذا يعيش ملايين العراقيين تحت خط الفقر، بينما ينهب الإيرانيون وعملاؤهم المليارات؟
كم مليار ضاع واختفى في ميزانيات بناء «الديمقراطية» الطائفية؟ ولماذا فشلت حكومة المليشيات والعمائم، حتى بعد مرور 13 عاما من العيش تحت ظلال «الولي اللافقيه»، من إعادة الكهرباء والماء والخدمات الأساسية الأخرى إلى مستوى ما قبل الحرب؟
بأي حق، وبأي معنى جاز أن يتحول تسعة ملايين، من مجموع 25 مليونا، إلى لاجئين داخل وخارج بلدهم، لترسيخ أركان المشروع الطائفي الإيراني؟ وهل أقام هذا المشروع حكومة أصلا؟ أم أنه أقام دولة عصابات نهب وفساد واستيلاء وتهريب وسرقة؟
لقد قالت التجربة في العراق ما يكفي للدلالة على أن «المشروع الطائفي» الذي ظل يتستر خلف «الدفاع» المزيف عن القضية الفلسطينية، ترك، وما يزال يُنتج، من المرارات والعذابات والدمار أكثر بكثير مما أنتجه المشروع الإسرائيلي نفسه.
كم شرد الإسرائيليون من الفلسطينيين، على امتداد سبعة عقود من الاحتلال؟
ولقد شرد أتباع الولي الفقيه في أقل من 10 سنوات، أضعافا مضاعفة.
وكم قتلت العصابات الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل من الفلسطينيين؟
ولقد قتل أتباع المشروع الطائفي الإيراني أضعافا مضاعفة.
وكم دمر الإسرائيليون من منازل الفلسطينيين، على امتداد كل سنوات الاحتلال البغيض؟
ولقد دمر طائفيو المشروع الصفوي أضعافا مضاعفة.
حتى بات كل ما فعله الإسرائيليون من جرائم بالفلسطينيين لا سبيل لمقارنته بما فعل ويفعل أتباع الولي اللافقيه.
قتل العراقيين والسوريين واللبنانيين، بالمفرق والجملة على أيد أتباع اللافقيه، ألم يجعل مقابل ذلك قتل الفلسطينيين بالسلاح الإسرائيلي أمراً عادياً؟
وهل هناك من «تطبيع» أفضل لإسرائيل من هذا «التطبيع» مع الموت العميم؟
أليست هذه هي الخدمة الأكبر لإسرائيل التي قدمها المشروع الطائفي الإيراني لتنفيذ إستراتيجية التمزيق والتفتيت؟
أليست «الدولة الوطنية» (كواقع وكمفهوم)، (بما فيها الدولة الوطنية الفلسطينية)، هي العدو المشرك لإيران وإسرائيل؟