قانون جاستا... مسرحية هزلية بمشاركة مجلس الشيوخ.. والهدف منه الابتزاز طالما كانت محاربة الإرهاب الحجة الدائمة لارتكاب الجرائم، وإشعال الحروب، ويبدو أن هذه الحجة لن تنتهي يومًا، أصدر الكونجرس الأمريكي قانون جاستا لمحاكمة الدول المتورطة في الأعمال الإرهابية، وعلى رأسها هجوم 11 سبتمبر، ومن هنا بدأ التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهم السعودية بأنها وراء الهجوم بحجة وجود 15 من أصل 19 من منفذي هجمات 11 سبتمبر، يحملون الجنسية السعودية،فما هو قانون جاستا الذي أشعل التوتر بين أمريكا والسعودية؟ وهل الهدف منه محاكمة رعاة الإرهاب بالفعل؟ أم إنه مجرد محاولة جديدة من الولايات المتحدة للهيمنة والسيادة على الدول؟ ويمكن بسهولة مواجهته في حال طبق على السعودية من خلال مبدأ «المعاملة بالمثل» والعالم العربي لديه ملفات كثر تدين الولايات المتحدة.
ما هو قانون جاستا؟
هو قانون أصدره مجلس الكونجرس الأمريكي، باسم «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، القانون يعطي الحق لأسر ضحايا الأعمال الإرهابية وعلى رأسها التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاجون، بمحاكمة ليس المتورطين في الأعمال الإرهابية أنفسهم بل حكوماتهم، أي أن تقوم الأسر المتضررة باللجوء إلى محامين يطالبون هذه الدول المتهمة بالمثول أمام المحاكم الفيدرالية، ومن ثم بدء المحاكمة والمطالبة بالتعويض، أي أن القانون باختصار شديد يسمح للأفراد بمحاكمة الدول! وكان أوباما أول من أبدى اعتراضه ضد قانون جاستا، حيث رأى فيه إضرارًا بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، فضلًا عن كون القرار تعديا واضحا على سيادة الدول، وهو ما لم يعجب أعضاء مجلس الشيوخ، الذين صوتوا بالرفض على فيتو أوباما بأغلبية 97 صوتًا مقابل صوت واحد، ومن الجدير بالذكر أنها المرة الأولى التي يتم فيها رفض اعتراض أوباما على أي قرار أو قانون يصدر داخل مجلس الشيوخ، ما جعل البعض يفسر ما حدث بمسرحية هزلية كان بطلها أوباما بمشاركة مجلس الشيوخ.
كيف سيكون العالم بـ«جاستا»؟
ستسود الفوضى... هكذا ببساطة شديدة، لكن لماذا؟ وما الضير في أن تُحاكم الدول المتورطة في الأعمال الإرهابية؟ حسنًا سأخبرك... رفض الاتحاد الأوروبي القانون واعتبره تعديا واضحا على سيادة الدول، ومخالفا لكل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حرية سيادة الدول، ومبدأ المساواة بين الدول التي بقانون جاستا لن تتعدى كونها كلمات على ورق، القانون يجردها من قيمتها تمامًا.
بما أن القانون خرج من الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاكمة الدول المتورطة في هجوم 11 سبتمبر وغيرها من الأعمال الإرهابية، سيدفع البعض للتساؤل؛ وماذا عن أمريكا نفسها؟ ألم تقم بأعمال إرهابية هي الأخرى؟ إذن فليفتح الباب على مصراعيه، ولتصدر كل دولة قانونًا يعطي شعبها الحق في مقاضاة أمريكا، وتصدر القوانين هنا وهناك بلا كابح، ونعيش حالة من العبث التشريعي بين الدول، لأن كل دولة ستصدر قانونا خاصا بها يحميها من الدول الأخرى، ويعطيها الحق في السيادة عليها، ومطالبتها بالمثول للحكم تمامًا كالأفراد. عندما تفقد الدول هيبتها كدول وتعامل كأفراد، وفقًا لقوانين على شاكلة قانون «جاستا»، ستتأثر العلاقات الدولية سلبًا وتنهار الثقة بين الدول، وهذا بدوره يؤثر على الاقتصاد والسوق العالمي، حيث ستصل التعاملات الاقتصادية بين الدول إلى أدنى مستوى. والأدهى من ذلك كله، أن هذا القانون يعطي رسالة للعالم مفادها؛ أن القضاء الأمريكي له السلطة المطلقة، وله الحق في معاملة كافة الدول كالأفراد، ومطالبتها بالمثول للمحاكمة.
وأخيرًا القانون نفسه سيضر بكافة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتعاملاتها الاقتصادية والسياسية كما أشار أوباما. هل السعودية هي المعنية بهذا القرار؟
بالرغم من أن دولا كثيرة اعترضت على القانون، من بينهما دول تنضم للاتحاد الأوروبي، اعتبر بعض أن القانون موجه بالأساس للسعودية، فالكونجرس الأمريكي ركز على هجوم 11 سبتمبر وطالب بمحاكمة الدول التي ينتمي لها المتورطون، وكون الولايات المتحدة توجه أصابع الاتهام للسعودية بأنها المدبر للهجوم، اتجهت أعين العالم أجمع على السعودية رغم أن التحقيقات في أوراقه الـ28 أثبتت بما لا يدع مجالا لشك براءة السعودية من هجوم 11 سبتمبر، أو بمعنى أوضح رأى بعضهم أن ثمة محاولة خفية بمطالبة السعودية بالمثول أمام المحكمة، أما السعودية فقد اعتبرت القانون انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة، ولسيادة الدول وكافة مبادئ القانون الدولي، ورفضت كل ما جاء به جملة وتفصيلًا. حيث (قالت المملكة العربية السعودية: إن اعتماد الكونغرس الأمريكي قانون « تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب» المعروف اختصارا باسم قانون جاستا «يقوض مبدأ المساواة والحصانة السيادية وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين». ولقد كان لموقف السعودية الرصين في الرد على قانون جاستا والتي طغى فيه الحكمة والتعقل والخبرة السياسية الذي من خلاله أثبتت المملكة للعالم أجمع على أن صوت السعودية هو صوت الحق والعدل،وأن مواقفها مواقف الحكمة والعدل،وأن سياستها ترتكز على أسس متينة راسخة،وأن المنهج السعودي يتميز بكم كبير وهائل من الإنجازات السياسية والعلاقات الدولية والمساعدات الدولية المملوءة بالمحبة والمصداقية في التعامل، وأن السعودية هي من يحارب الإرهاب نيابة عن العالم محاربة حقيقية وجدية وليس ورقة تناور بها كما يفعل المشرعون لقانون جاستا، وقد شهد العالم بنجاح تجربته المثالية في ذالك وتم طلب الاستفادة منها عالميا، وخاصة أن المعني به دولة ثقيلة الوزن كالسعودية صاحبة أكبر مصدر للنفط في العالم، والتي تبدو من خلالها علاقات المملكة في محيطها الإقليمي وكأنها قطب الرحى لمجموعة من الدوائر المرتبطة بعضها ببعض نظرا لما تمثله من بُعد ديني واقتصادي وسياسي مهم، بعد أن أصبحت المملكة تؤدي دور المرجح الإقليمي من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار، بل وتمارس بشأن الكثير من القضايا دور الوسيط الناجح الموثوق به وأخيرا نقول السعودية دولة عظمى ومحورية في العالم ولها ثقلها الدولي ولن تقبل ابتزاز قانون جاستا « فليس لدى السعودية ما تخشاه من قانون جاستا لكونها ليست دولةرهابية، ومن يخافه هي الدول الإرهابية، والمعروفة بدعمها للإرهاب والمليشيات. ويمكن لنا مواجهته بقوة وحزم، وحتمًا ستراجع الولايات المتحدة نفسها في هذا القرار، حفاظًا على مصالحها الاقتصادية والسياسية كما حذر أوباما... الأمل في أن تسود الحكمة وأن يتخذ الكونغرس الأمريكي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترب على سن قانون جاستا لأن اعتماده يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم فيه العلاقات الدولية على مبدأ المساواة والسيادة.
- باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب
hdla.m@hotmail.com