مها محمد الشريف
يُعد البرنامج الدولي لإدارة الدَّين العام الذي أعلنت عنه وزارة المالية السعودية هذا الأسبوع، بمثابة رئة جديدة يتنفس من خلالها اقتصاد المملكة، في وقت تختنق فيه الكثير من الدول متأثرة بتباطؤ الاقتصاد العالمي ومخاطر الاضطرابات السياسية وضعف الثقة، وتراجع النمو والتضخم وزيادة أعباء الديون، فضلاً عن تراجع أسعار النفط ، إذ تهدف تلك الخطوة إلى تحقيق طموحات رؤية المملكة 2030 من خلال تنفيذ العديد من البرامج والإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية.
ولعل ما كشفته ، مؤخراً، شبكة «بلومبرج» الأمريكية، من أنّ السعودية تعمل على بيع سندات دولارية بقيمة تتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار، يُعَد إحدى أهم عمليات الإصلاح الاقتصادي في هذا التوقيت، إذ أشارت «بلومبيرج» إلى أنّ السعودية اختارت بنوك «سيتي جروب» و»إتش إس بي سي» و»جي بي مورجان تشيس» لتنسيق عملية بيع السندات، لافتة إلى أنّ الاجتماعات بالمستثمرين بدأت منذ الأربعاء الماضي في لندن ونيويورك.
إن إصدار سندات الدَّين سوف يحقق للاقتصاد السعودي مزايا كثيرة؛ من أهمها ملء الفجوات المالية وتعويض العجز المتوقع في موازنة الدولة لهذا العام ، إذ يتوقع خبراء اقتصاديون ومؤسسات مالية أن يكون العجز نحو 311 مليار ريال، كما أن طرح السندات في الأسواق الدولية سينعش القطاع المصرفي المحلي ويمنع تجفيف السيولة ؛ كي لا تتأثر حركة تمويل البنوك للأفراد والقطاع الخاص ، وهو ما يسهم في دفع عجلة التنمية الوطنية.
لم تتوقف تلك الخطوة الجريئة على إنعاش الاقتصاد المحلي ، بل إن السعودية أثبتت أنها في الظروف الاقتصادية الصعبة والمخاطر الجيوسياسية، تملك الكثير من الخيارات للتغلب على التحديات الاقتصادية، ومن بين تلك الخيارات وأهمها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، تسييل جزء من استثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وبيع سندات خزانة وأصول أخرى تصل إلى 750 مليار دولار، بل إن هذا الخيار أصبح حتمياً بعد إقرار الكونغرس لقانون «جاستا»، إذ إنّ هذه الخطوة ، فضلاً عن فوائدها للاقتصاد السعودي ، سوف تسهم أيضاً في تعديل مسار العلاقات السعودية الأمريكية، إذ شهدت العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة ، كثيراً من المناورات السياسية والإعلامية التي وصلت إلى حد الابتزاز، كما أنّ مثل تلك الخطوة ستمنح أمريكا فرصة لمراجعة تخبطاتها الأخيرة تجاه المملكة، وستدرك حينها أنّ حليفها السعودي حريص على استمرار علاقات البلدين سياسياً واقتصادياً، كما أنه سيبقى قوياً شامخاً بأمريكا وبدونها.