محمد بن عيسى الكنعان
إحدى قريباتي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من عشر سنوات، وخلال هذه الفترة تشكلت في حياتها علاقات اجتماعية مع سيدات أمريكيات، ويحدث أن تدور حوارات ونقاشات بينها وبين تلك السيدات، وأخريات تصادفهن في الجامعة أو ميادين الحياة العامة، وقد كانت أغلب تلك الحوارات والنقاشات تتناول واقع المرأة السعودية، وبالذات ما يخص مسألة قيادة المرأة السعودية للسيارة، حيث إن السيدات الأمريكيات كن يرين أن حرمانها من هذه القيادة تعدي على حقوقها، وليت الأمر توقف عند هذا الحد فيمكن تصحيحه، بل إن تلك النقاشات والحوارات كشفت أن هناك صورة نمطية سلبية تجاه المرأة السعودية تتمثل بأنها مقموعة في حياتها اليومية، ومسلوبة الحقوق الاجتماعية الطبيعية، وأن حرمانها من قيادة السيارة يعكس ذلك، فلا تملك أن تتعلم أو تتسوق أو تمارس حياتها خارج المنزل.
إلى حدٍ ما نجحت قريبتي في تصحيح تلك الصورة السلبية - على الأقل على مستوى من حاورتهن - عندما استطاعت أن تفصل بين مجمل حياة المرأة السعودية، وبين مسألة قيادة المرأة للسيارة، وأن المرأة السعودية تمارس دورها في مجالات الحياة بشكل مماثل للمرأة الأمريكية، باستثناء ما يتعلق بكل مجتمع ويختص به عن الآخر من مجالات. وأن مسألة قيادة المرأة للسيارة لا ترتبط بحقوق المرأة بقدر ما ترتبط بحاجة المجتمع لذلك، ووفقاً لحركة تطوره.
الملفت الذي تكشف لقريبتي خلال النقاشات والحوارات أن السيدات الأمريكية التي يحملن تلك الصورة السلبية عن واقع المرأة السعودية، كن يعتقدن أن المرأة محشورة في بيتها، وهي محرومة من الخروج وممارسة حياتها لأنها لا تملك أية وسيلة للتنقل، والرجل يسيطر عليها بشكل كامل، لذلك كانت (الصدمة) لديهن كبيرة عندما عرفن أن قطاعاً كبيراً من الأسر السعودية يمثلن الطبقة الوسطى لديهن سائقين في المنازل، إلى جانب عاملات منزليات، على اعتبار أن السائق في الأسر الأمريكية لا يتوفر إلا للعائلات الثرية، وبذلك فالمرأة السعودية تصل إلى أي مكان تريده، وتمارس حياتها بكل صورها، ولم تكتف قريبتي بهذا بل أوضحت أن المرأة الأمريكية تدخل في تعقيدات مالية واشتراطات اجتماعية في حياتها الزوجية، وكثيراً ما تتولى كل مهام المنزل والأطفال إلى جانب وظيفتها، في مقابل المرأة السعودية التي لا تتحمل ذلك إنما تشارك فيه، فالرجل هو من يتحمل أغلبه وهو المسؤول بالدرجة الأولى، وهو من يوفر السائق والعاملة المنزلية، ولا شك أن هناك حالات تعسف أضرت بالمرأة السعودية وهي خلاف ما ذكر، ولكن تبقى حالات، وليست ظاهرة عامة في المجتمع السعودي.
يبقى السؤال: من صنع تلك الصورة النمطية السلبية عن واقع المرأة السعودية؟ ولازال يكرسها بغباء مطالباته دون أن يفصل بين حياة المرأة السعودية من حيث حقوقها المقررة شرعاً وحاجاتها الاجتماعية.