عروبة المنيف
على الرغم من تراجع الازدهار الاقتصادي في الدولة وإعلان مرحلة «شد الأحزمة» على كل المستويات، إلا أن سلوك المبالغة في الاستهلاك غير الرشيد تظهر بين الفينة والأخرى وتثبتها الإحصائيات والمؤشرات المختلفة. فقد نشرت الصحف موخراً إحصائية تشير إلى أن 80 % من حجم القروض الشخصية من البنوك هي بهدف إقامة الأعراس وإن الكثير من الأسر من الفئة المتوسطة أو ذوي الدخل المحدود تقترض من البنوك لإقامة احتفالات الزواج!
منذ بدء الإعلان عن رؤية 2030 والمباشرة بتطبيق السياسات والإجراءات الحكومية التقشفية الهادفة إلى سد العجز في الميزانية عن طريق ترشيد الإنفاق، والتحليلات الاقتصادية والانتقادات لتلك السياسات والإجراءات ترى طريقها إلى جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع، فجيوب المواطن يجب ألا تمس، ولنقترض، وليستمر الإنفاق الحكومي كما هو حتى لا ندخل في أزمة الكساد الاقتصادي وتعثر المشاريع، مع الاستشهاد بسياسات دول أخرى عاصرت أزمات اقتصادية كالتي نعاصرها واستمر فيها الإنفاق الحكومي عن طريق الاقتراض، فالكساد ظاهرة اقتصادية غير صحية وترشيد الإنفاق الحكومي سياسة فاشلة وفرض ضرائب ورسوم على المواطن بدون تمثيل برلماني غير وارد وغيرها من سيل هائج للانتقادات.
إن ما يتناسب مع دولة معينه من سياسات اقتصادية قد لا يتناسب مع دولة أخرى في ظل نفس الضائقة الاقتصادية، فالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تختلف من دولة لأخرى، وسياسة «مد لحافك على قد رجليك» هي الأنسب في ظل الظروف الحالية حيث عدم التنوع في مصادر الدخل وحضور الحاجة السريعة لإيجاد مصادر سريعة لسد العجز في الميزانية من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي وتحميل المواطن حس المسؤولية في تحقيق رؤية 2030، إنها رسالة غير مباشرة للمجتمع بهدف تغلغل الوعي الاستهلاكي إلى عقل المواطن وإدراكه، فالرشد الاستهلاكي سيسري في اللا شعور على الجميع، إنها مرحلة تمر بها الدولة وجب استغلالها لرفع مستوى الوعي في الإنفاق على المستوى الفردي والجمعي، هي فرصة لتجاوز سلوكيات اجتماعية سادت في مرحلة الطفرات النفطية وكان من الواجب ترويضها وكبح جماحها، فالتبذير والإسراف والخيلاء والمباهاة وعدم احترام النعم هي من الظواهر السلوكية المنتشرة بين فئة لا يستهان بها من أفراد المجتمع سواء في داخل المملكة أم خارجها وقد حانت الفرصة لقمعها وتبديلها ولنعترف أن العقلانية في الإنفاق تحتم علينا تعلم مهارة إدارة الأموال التي تنقص الكثيرين منا سواء من ذوي الدخول المنخفضة أو المتوسطة أو المرتفعة، إنها مهارة ضرورية جداً من أجل التطور والازدهار المجتمعي، فالزمن والظروف الاقتصادية وما يتبعها من وعي في أساليب الإنفاق قادرة على توسيع المدركات بأهمية النعمة وبأنها إلى زوال ما لم نقدرها حق قدرها. إن الوعي الإنفاقي من متطلبات المرحلة الحالية لنستشعر بأهمية القرش الأبيض في اليوم الأسود ولنحمد ونمتن ونشكر، فرب ضارة نافعة.