م. خالد إبراهيم الحجي
إنَّ الوحدة والعزلة التي يعاني منها كبار السن اليوم حقيقة واقعية تجعلهم منفصلين عن الواقع الراهن الذي نعيشه، وتنشأ نتيجة التناقص التدريجي في مشاركتهم في النشاطات الاجتماعية المختلفة مع التقدم في العمر للسببين التاليين:
(أ): الفجوة في التفكير بسبب فارق السن بينهم وبين جيل الشباب من الأحفاد، والاختلاف في وجهات النظر المستقبلية للحياة التي تختلف عمّا عرفوه وألفوه خلال مراحل شبابهم السابقة الذي نسميه صراع الأجيال.
(ب): المشكلات الصحية التي تزداد مع مرور الوقت وتقدم السن، وربما تصل إلى بعض الإعاقات الجسدية التي تعيقهم وتقعدهم عن المشاركات الاجتماعية وتلبية حاجاتهم الضرورية.. ومن خلال حديثي مع بعض كبار السن من الأقارب والمعارف أجدهم دائمًا يشتركون في الشكوتين التاليتين: (i): فراغ الوقت الكبير وانشغال أبنائهم عنهم وعدم رضاهم عن أحوالهم الاجتماعية. (ii): معانتهم من الإحباط واليأس نتيجة الأفكار المعاصرة المتشابكة والمركبة والمعقدة التي تختلف عن ثقافتهم السابقة، وقد أكَّد الشكوتين السابقتين أيضًا كثيرٌ من الأصدقاء والمعارف من خلال حديثهم مع أقاربهم من كبار السن المحيطين بهم.. وقد سلط الممثل القدير ناصر القصبي الضوء على قضية الوحدة والعزلة التي يعاني منها كبار السن في الحلقة الرابعة والعشرين من مسلسل سِلْفي، عندما جسد شخصية «شايب الديمن» حيث تبدأ الحلقة بمشهد القصبي «الموظف» الذي أحيل إلى التقاعد وتقدم في العمر، وجميع أولاده انشغلوا عنه بأعمالهم وظروفهم الاجتماعية ولا يزورونه إلا قليلاً بين الحين والآخر في مناسبات الزواج والعزاء والأعياد، الذي جعله يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة للاتصال والتواصل مع المجتمع عن طريق بث فيديوهات عبر الإنترنت وهو يتحدث للمشاهدين بطريقة عفوية، يعبر فيها عن خواطره الشخصية مع الرقص والغناء بطريقة مضحكة جذبت متابعيه للتسلية والترفيه وأصبحت مادة للمزاح والتهريج، فكوَّن جمهورًا كبيرًا من المتابعين له وأصبح في دائرة اهتمامهم، فتنبه أولاده إلى ضرورة التدخل والضغط على والدهم لمنعه عن بث الفيديوهات الساخرة التي لا تناسب سنه، وأصبحت تحرجهم أمام زملائهم وأقاربهم ومعارفهم، إلا أن تدخلهم كان متأخرًا جدًا حيث وجد «شايب الديمن» في استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي القدرة الذاتية لتحقيق رضا النفس الذي مكنه من الترابط الاجتماعي مع المتابعين له، وأصبح حلاً لوحدته وكسرًا لعزلته وعلاجًا لبعد أولاده عنه.. ومن المعروف أن وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطةٌ دائمًا بجيل الشباب وتحظى منهم بإقبال شديدٍ عليها ويحرصون على مواكبة كل جديد تقدمه، وعلى العكس من ذلك نلاحظ أيضًا أن كبار السن في مجتمعنا السعودي يتصفون بالعزوف الشديد عن استخدام الإنترنت وتطبيقاته، ويعللون تجنبهم لاستخدام الإنترنت بالعبارتين التاليتين «أنا لا أحتاج للإنترنت» أو العبارة الأخرى» لقد عشت 60 أو 70 سنة مالعمر من دون الإنترنت فلماذا أهتم به الآن؟» ومن خلال حديثي معهم اكتشفت الحواجز التي تمنعهم من استخدام الإنترنت واستطيع إجمالها في النقاط الأربع التالية:
الأولى: فقدان أبسط المهارات اللازمة لاستخدام الكمبيوتر ودخول مواقع الإنترنت المعقدة.
الثانية: عدم الضرورة إلى استخدام الإنترنت بعد تقاعدهم من العمل وانعدام الحاجة إليه في حياتهم الخاصة.
الثالثة: استهانتهم بأهمية الإنترنت ودوره في الحياة المعاصرة.
الرابعة: خوفهم من التعرض للمحتويات الخادشة للحياء والمواقع الإباحية.
وقد حان الوقت لتصحيح نظرتهم للإنترنت، وتغيير رأيهم فيه من خلال التطبيق العملي وجني الفوائد الحقيقية من وسائل التواصل الاجتماعي، ابتداءً من تعليمهم كيفية متابعة التويتر للاطلاع المستمر على أحداث الساعة والقضايا المعاصرة من مصادر الإعلام المختلفة والمتنوعة، مع أهمية تعليمهم كيفية الدخول إلى خدمة السكايب التي توفر الاتصال الفوري مع الأقارب والأصدقاء ورفقاء العمر الغائبين منذ سنوات طويلة، لأنها تشتمل على الميزتين التاليتين:
(أ): وسائل اجتماعية ذات شعبية متزايدة تسمح بتكوين مجموعات يتحدث أفرادها مع أصحاب الاهتمامات المشتركة والهوايات المتماثلة مع بعضهم البعض بالصوت والصورة.
(ب): يستطيعون من خلالها مناقشة مشكلاتهم الخاصة مع معارفهم الآخرين مع الاحتفاظ بخصوصيتهم وهم في منازلهم في راحة تامة دون عناء، لكن من المهم جدًا التأكيد على أن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لكبار السّنِ ليست لتعويضهم عن أبنائهم وأقاربهم بالتواصل مع الغرباء، وإنما تأتي الأهداف الرئيسة والفوائد الحقيقية عند التواصل مع أفراد الأسرة والأقارب والمعارف والأصدقاء.. والدراسات السيكلوجية والاجتماعية تبين أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت بوابات الدخول إليها في متناول اليد تقدم الفوائد التالية:
(1): كسر الوحدة والقضاء على العزلة والتغلب على أعراض الاكتئاب الأخرى بالاندماج مع الآخرين في غرف الدردشة؛ لأن الإنسان بطبيعته اجتماعي ويقدم الأفضل دائمًا عندما يمتلك وسائل الاتصال والتواصل مع الآخرين.
(2): تزيد ثقتهم بأنفسهم وتنشط قدراتهم الذهنية وترفع معنوياتهم وكفاءتهم الشخصية التي تحقق لهم رضا النفس في مواجهة الواقع الجديد عليهم.
(3): التسلية والترفيه والترويح عن النفس الذي يفيدهم من الناحية النفسية والصحية.
(4): الإنترنت يعتبر كنزًا من العلوم والمعارف المختلفة وخصوصًا المتصلة بأسباب المشكلات الصحية والمعلومات الطبية المناسبة لسنهم، ومن المؤكد أن كبار السن عندما يجنون الفوائد الحقيقية من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي سيزيد إقبالهم عليها في المستقبل وسيستخدمونها لفترات أطول لملء فراغهم وتقليص الفجوة بينهم وبين جيل الشباب والأحفاد وكسر وحدتهم والقضاء على عزلتهم..
الخلاصة:
إنه من البر أن نساعد كبار السن على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليتعايشوا بقرب أكثر مع الواقع الجديد.