أمل بنت فهد
تبني قضية كتبني طفل.. تسعى لأن تكون راعياً وحامياً لتلك النبتة.. بغض النظر عن الأهداف التي لا يعرفها غير طالب التبني.. هي النوايا التي لا يعريها إلا الوقت والنتائج.. خفية رغم أنها قد تكون مبدأ ملائكيا.. أو لعبة شيطان.. تكشف عن وجهها حين القطاف.. ولا يسعك أن تتهمها أو تزكيها قبل أوان الحصاد.
ولا شك أن تبني القضايا والإنسانية.. والاجتماعية.. ذات الطابع الأقرب للقداسة تمنح صاحبها وهج الفضيلة.. والشجاعة.. والإيثار.. وأمور كبار تواري نحول أخلاقياته.. وتحجب الوجه المظلم من مطامعه.. بل هي تجسير للنوايا كأنما توصل إلى مكان ما.. ويبدو اتجاهها شريفاً.. وهو أبعد ما يكون عن النزاهة والشرف.
القضايا العظمية هي مبدأ الأخيار.. واستغلال الأشرار.. لكن الجمهور يمنح الصوت لمن يستطيع أن يرفع الشعار أعلى.. ولمن يملك منبراً لا يستحي من الكذب سراً وجهاراً.. ويكتشف متأخراً أنه تم استغلاله.. والخسائر أكبر من أن تحصى.. وقد تعني أن تخسر وطناً.. وتدمر تاريخاً.. وتغتال شعوباً.. قد تهدد بمسح دول من الخريطة.. إنها لعبة التبني التي تلد للعالم طاغية.. أو منقذاً.. لا خيار ثالث بينهما.. فإذا صدحت الأصوات بالحقوق والنصرة.. فإما أن يكون الوعد حقيقيا.. أو ليس له فجر.. ليل بهيم.. ممتد لا يملك نزوحا.
على سبيل المثال لا الحصر.. القضية الفلسطينية.. الكرت الذي رفع منذ عقود.. لكن الحصيلة.. لا شيء.. لا سياسياً.. ولا مادياً.. ولا عسكرياً.. وإن خانت الذاكرة فلتأت إيران بشيء واقعي وحقيقي قدمته لفلسطين.. وخدم هذا الشعب العظيم الذي لا يزال يقاوم.. ويحاول!
وبما أن هذا الكارت احترق باليد الإيرانية.. فما هو الكرت القادم الذي تنوي رفعه في سبيل حشد المعاونين.. والسذج.. ألن يسألوهم ماذا عن فلسطين!
أم أن اللعبة مستمرة.. والعقول مغيبة.. فالتاريخ يقسم ألف مرة على أن القضايا المقدسة وسيلة النصابين.. والحالمين بالسلطة.. والشهرة.. والدعم.. فكم قضية منحتها صوتك وأنت لم تلمس ولم تر صدقاً ولا عزماً؟
إنها لعبة قديمة.. وغاية في البساطة.. لكنها لا تزال تعمل.. ولا تزال تخدع.. ولا تزال مقنعة.. كيف ذلك؟
إنها من أسرار الغباء الإنساني حين يحلم بالخلاص.. وحين يحمل معه أحلام الطفولة والأبطال الخوارق.. رغم أن الواقع واضح لا يقبل تشكيكا.. ورغم أن الحقيقة معلقة بالفعل وليس القول.. لا يزال الإنسان رهين الشعارات.. والأقاويل.
فمتى ترفض أن يكون موقفك مطية يعتليها من دندن على وتر عاطفتك الدينية أو الوطنية أو الاجتماعية.. وتكون حاسماً وتطلب الإثبات قبل أن «تدرعم» مع الأغلبية!