فوزية الجار الله
لا أحد يستطيع سرقة الفرح من أعماقك ولا أحد يمكنه منحك الحب والحياة مهما بلغت سنين عمرك، أنت وحدك القادر على إكساب نفسك وهج الحياة، نعيمها وعذوبتها بعد مشيئة الله.
أثناء تواجدي في بريطانيا لأجل الدراسة التي أنهيتها بحمد الله منذ حوالي خمس سنوات، كانت من أجمل الأيام في حياتي فقد رأيت فيها الكثير من النماذج الرائعة من النساء والرجال اللاتي والذين يمكن اعتبارهم نموذجاً يُحتذى، خاصة وأننا نعلم جميعاً بأن الشعب البريطاني شعب يتفاني في العمل والإنتاج بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى فيما يتعلق بأمور الدين وسياسة الحكومات والدول. إحدى أولئك النماذج كانت أستاذة معلمة في مركز اللغة الإنجليزية تقوم بأعمال إدارية وإشرافية إضافة إلى تدريس بعض المواد، تلك السيدة كانت في حوالي الستين من عمرها تميزت ببنية صغيرة رشيقة تفيض حيوية ونشاطاً إضافة إلى خفة الروح وحضور النكتة وسرعة البديهة، تلك المرأة كانت تأتي إلى الجامعة يومياً وهي تستقل دراجة هوائية تقودها بنفسها وقد ساعدها في ذلك جمال الجو ووجود المساحات الخضراء حولها، إلا أنها تستقل الدراجة يومياً وفي كافة أنواع الطقس سواء كان معتدلاً أو بارداً، صحواً أم مطراً، لا تخشى نظرات متلصصة ولا انتقاداً من أحد فقد كفل لها المجتمع ممارسة ما تريد بمنتهى الحرية وهي سعيدة بذلك، فماذا عن نسائنا هنا؟ ما الذي يفعلنه في مثل هذا العمر؟ الإجابة لديكم..
نموذج آخر أدهشني، أحد الرجال وهو المسؤول عن مركز اللغة إضافة إلى أعمال أخرى يتميز بطول القامة ورشاقة واضحة لا يشتكي ترهلاً ولا استدارة أمامية سيئة تدعى (تكرشاً) في الرابعة والخمسين من عمره، أراه طوال الوقت متجولاً هنا وهناك وذات فراغ وجدته يشارك الطلاب في لعب الكرة.
ثمة أمور لا يمكنك التحكم بها مهما أوتيت بعضها لأنها أصبحت في دائرة الماضي الذي لا يمكن تغييره وبعضها الآخر لأنها أصبحت في حكم المستحيل لذا يبدو تغييرها صعباً ليس في متناول اليد.
لكنك قادر على منح نفسك السعادة من خلال تحسين ما يقع في دائرة إمكاناتك، فمثلاً لا تستطيع تغيير ساعة ميلادك ولا اسم عائلتك ولا في أي مدينة كانت نشأتك. لكنك تستطيع تحسين حياتك وإسعاد نفسك من خلال أمور أخرى لأجل تحقيق الهدف الأسمى، أن تعيش بصحة وسعادة قدر الإمكان في نطاق ما كتبه الله لك من عمر على هذه الأرض، والصحة كما هو معروف تشمل صحة العقل والروح والجسد وهي أمور متداخلة يؤثر بعضها في بعضها الآخر.
(*)محمود درويش.