سُمِّي شهر الله المحرم بهذا الاسم تأكيدًا وتعظيمًا لحرمته.. وشأنه عظيم، وهو أحد الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ...}.
وقد خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها وتعظيمًا:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم آخره يفضي إلى الندم
تنام عـيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم».
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في (لطائف المعارف - ص 81): «وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته». وفي هذا الشهر العظيم يوم فضيل، له مكانته؛ فقد كان موسى عليه السلام يصومه لفضله، وكان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش كما قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه».
ومما جاء في فضله أنه يكفِّر ذنوب سنة كاملة، كما ثبت من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة؛ فيجب على المسلم أن يتحرى صيام هذا اليوم لتحصيل ثوابه.
والحكمة من صيامه أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى - عليه السلام - وقومه من فرعون وجنوده؛ فصامه نبي الله موسى - عليه السلام - شكرًا لله تعالى، وصامه نبينا - عليه الصلاة والسلام - وأمر بصيامه، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم. فصامه، وأمر بصيامه».
ويستحب صيام يوم قبله؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع».
وقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - ثلاث مراتب لصيام يوم عاشوراء في كتابه (زاد المعاد - 2/ 76):
الأولى: أن يصام قبله يوم وبعده يوم.
الثانية: أن يصام التاسع والعاشر.
الثالثة: إفراد العاشر بالصوم.
ولم يؤمر في يوم عاشوراء بشيء غير الصيام. أما ما يفعله بعض الجهلة من العوام من إظهار الفرح والسرور بإعداد الموائد والأطعمة للتوسعة على العيال مستدلين في ذلك بحديث لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك أيضًا ما يفعله بعض الطوائف من إظهار الحزن والمآتم في هذا اليوم، وضرب الذات بالأسواط، والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن.. فكل ذلك من قبيل البدع المحدثة في هذا اليوم العظيم.
- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية والمشرف العام على شبكة رحاب مكة