يوسف المحيميد
كثيراً ما أشعر بتداخل الفنون والآداب حد التماهي والتوحد، وكثيرًا ما كنت ألوم أصدقائي الأدباء ممن لا يتذوق الفنون، وأعاتب أصدقائي الفنانين ممن لا ينهل من الأدب، حتى لفتت انتباهي في صالة الشرقية - ذات يوم - لوحة تشكيلية عبارة عن فسيفساء ومنمنمات غريبة، كانت لفنان لا أعرفه لسوء الحظ، اسمه محمد العجلان، قلت لنفسي هذا الفنان يرسم بقلبه، لا بفرشاة، أتمنى أن يكون مثل لوحته تلك، مزدحماً للحياة، وبسيطاً لا كما تعقيدها، لكن الحظ ابتسم لي باتصال ودعوة كريمة منه.
ظننت أن هذا الفنان لديه مرسم ضخم، ومساعدين، وطقوس خاصة، وأسرار فنية غامضة، لكنني وجدته عكس ذلك تماماً، بسيطاً للغاية، لا يملك مرسماً رغم غزارة إنتاجه وبراعته، ورغم ما ينتجه من جداريات، ينجزها في الهواء الطلق بفناء البيت، هذه البساطة وعدم التكلف والادعاء، يصحبها وعي في ألا يكون نسخة من أي فنان آخر، لا يعنيه بيكاسو وكلمت وكلي وفان جوخ، يدرك أنهم أبناء بيئاتهم وأماكنهم، وأنه هو - محمد العجلان - ابن بيئته وهويته وتاريخه الضارب في القدم، فليس غريباً أن يتماهى في الشعر الجاهلي، وأن يتخذ من المعلّقات موضوعًا له.
ولعل المفاجأة أنّ العجلان أنجز مؤخرًا جدارية طولها ثلاثون مترًا، اسمها لامية العرب، وكأنما التقط الشنفرى وأدخله منزله يومًا، ليردد معه:
أقيموا بني أمي صدور مطيِّكم
فإني إلى قوم سواكُم لأميل
فالعجلان لم يمل إلا لهويته العربية، ولم ينصهر كغيره من الفنانين في فنون أوروبا، بل اختط لنفسه مكانة جديدة ومختلفة.
هذا الفنان اللافت، لا يتعامل بقداسة تجاه اللوحة، بل يستخدم أبسط الأدوات، لأنه يدرك أن السر ليس في جودة ما يستخدم، وإنما في فكره ووعيه، في شغف أصابعه وقلبه، قد يطأ اللوحة بقدميه، لأنه يعتبرها جزءًا منه، وقد يترك لوحاته في العراء، تجابه الهواء والشمس والغبار، لأنه يتركها أيضًا وحيدة في قاعات الجاليري تواجه المتلقي بمفردها، دون أن يساندها بالشرح والتفسير، فكمالها في غموضها ورموزها!