عبده الأسمري
في الإسلام للمال اتجاهين من مكامن «الفتنة» وضروريات «الزينة» أما التعامل البشري مع المال فله تفصيلات ومؤشرات وتنبؤات تختلف من شخص إلى آخر فللمال تركيبة «امتحان عجيب» جعلته بيئة خصبة للمتناقضات فيكون سبباً للسعادة والهلال ومؤشراً للقناعة والجشع وطريقاً للحسنات والسيئات.
المال عصب الحياة من منظور موضوعي إذا ما استند إلى أسس تلبية الاحتياجات وتوفير المتطلبات وكان في امتلاكه عبرة بأنه «وسيلة» لقضاء الغاية وفيه حق للسائل والمحروم.
ومن تناقضات امتلاك المال أن فيه تركيبة متاحة لصناعة المعروف وأيضاً لزيادة المال وتنميته بالصدقات وفيه أيضاً بيئة بائسة لحرمان النفس والأهل والولد. ومن تناقضاته أن فيه طريقاً خادعاً للغرور وسبيلاً مخادعاً للتعالي ومجالاً وهمياً للتباهي والتفاخر.
وكمين يسقط الساذجين عندما يظل مالك المال رهيناً له حتى ينادي بالبخيل ويوصم بالمقتر وينادي بالجشع.
اليوم نسمع عن تجار بدأوا تجارتهم بدراهم معدودات وها هم الآن ينعمون بالمعروف الذي صنعه المال لأنهم يجنون ما وضعوه من أرضية وازنت بين المصروف والمعروف. طريق تجارتهم لم يكن مفروشاً بالورود بل بالأشواك والعقبات ولكنهم ساروا في طريق مزدهر بين الاتزان الدنيوي والآخروي في إدارة المال كانوا هم من يديرون المال لا هو من يديرهم. وفي المقابل هنالك من بدأ حياته تاجراً من النهايات بإرث جاهز أو مال سائب أو تركة عابرة أو قسمة ضيزى وأصبح يزاحم أثرياء العرب على قوائم التنافس بالثروات ولو تعمقنا في تفاصيل تجارته ومسيرته لوجدناها بدأت كبيرة وجاهزة لم يذق فيها التعب ولم يتوغل في تفاصيل تنميتها بالمعروف وقد تعلم بعضهم من الدرس واستفاد من التجربة وآخرون لا يزالون يديرون المال بالمصروف متناسين أن للمعروف تفاصيل تنقل الثروة إلى خانة «النقاء» وإلى مسارات «النماء».
لا نريد أن نعيد سقطات بل وكوارث المال المدفوع في «منديل» أم كلثوم الشهير أو ملايين شراء مزايين الإبل أو حفلات شيوخ «الغفلة» التي ملأت جنبات الشوارع بعشرات الولائم التي لم تؤكل أو مجموعات الحمقى ممن ينثرون المال على صحون الأكل بل نحتاج أن يستيقظ «الهائمون» على وجوههم في طرقات البذخ وأن ينتبهوا لزكاة مال «الأقربون» أولى بها.
كم أتمنى أن يتصل أو يزور كبار التجار وجهابذة الثراء واللاهثون وراء جمع المال وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات ومراكز المعاقين والمستشفيات أو يطلع أحدهم بتمعن ذات يوم على الصحف وعلى وسائل التواصل عندها سيجد آلاف الحالات المحتاجة التي ستشكل بيئة خصبة لتوزيع المال بين المصروف والمعروف. عندها وبعدها سيجد «سعادة المعروف» من «إجادة المصروف «وسيرى أن ماله نما وأن فلسفة إدارة المال تحتاج وزناً حتى يظل متنعماً بزينته مبتعداً عن فتنته وحتى تشيع في المجتمع هذه الفضيلة وحتى يكون التجار الملزمين بالزكاة شرعاً عوناً للوطن وكي يتقوا عواقب البخل ونوائب البذخ.