أ.د.عثمان بن صالح العامر
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وإعلان ميلاد النظام العالمي الجديد المرتكز على أحادية القيادة العالمية، بشّر الأمريكان الصهاينة بميلاد شرق أوسطي جديد، يعيد رسم الخارطة وينبئ بنشأة قوى إقليمية كانت في الظل أو أنه لا وجود لها أصلاً، وكانت مشاريعهم التي أعلنوها للوصول إلى هذا التكوين الجذري الناسف لاتفاقية «سايكس بيكو» المعروفة: «الفوضى الخلاقة»، و»امتلاك مفاصل القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية بل حتى الفكرية والإعلامية في المنطقة من خلال السيطرة والتوجيه والتحكّم بما يصدر من الهيئات الدولية والمنظمات العالمية من تقارير وتوصيات وتحاليل وتوجيهات، مع وجود غطاء إعلامي محترف يوظف جميع منافذ الإعلام الجديد عن طريق الطابور الخامس لإضعاف القوى وشن الحروب النفسية والنيل من الرموز الوطنية»، يضاف إلى هذا وذاك «امتلاك الشركات العابرة للقارات والتي من المأمول لديهم أن تهدم سيادة الدول السياسية داخل حدودها المعروفة، وتتحكم بالقرارات الاقتصادية عن طريق افتعال الأزمات وتصديرها، وتنسف الثقافات التي نعتوها بالهشة لتمهد الطريق لثقافة عالمية كونية توحد وتحقق التجانس البشري، وتقضى على التنوع الثقافي والتعدد الفكري، وتلغي الخصوصيات أياً كان نوعها ومستواها، فضلاً عن أنها ستمهد لنهاية التاريخ حيث ستسود الرأسمالية الليبرالية العالم أجمع - حسب زعمهم المبتور - مع التركيز في كتاباتهم المؤسساتية والشخصية على أن هناك أعداء حقيقيين يجب مواجهتهم والقضاء عليهم، والإسلام هو ألد هؤلاء الأعداء، والمملكة العربية السعودية هي معقل دار هذا الدين الذي يعدّ الخطر الحقيقي على مستقبل الرأسمالية العالمي!!!
هذا الأمر القائم على خطاب الكره، وإعلان التفرد في رسم مستقبل العالم، وغياب توازن القوى العالمي الذي كان سائداً إبان مرحلة الحرب الباردة أقلق الكل خاصة نحن في الشرق الأوسط، وصار الساسة والاقتصاديون والمفكرون والكتاب المثقفون إبان تلك الحقبة التاريخية التي أعقبت «البريسترويكا» وحتى تاريخه يترحمون على ما مضى، ليس حباً في الروس ولكن خوفاً من استبدادية الأمريكان جراء إدخالهم العالم في عصر ما عرف بالعولمة أو الكوكبية أو الأمريكية، وبالفعل منذ انتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في 26 ديسمبر 1990م وحتى اليوم ونحن في صراع وصدامية ظاهرة وعلنية أحياناً، وخفية ومستترة أحياناً أخرى، ولولا النفس الطويل، والدبلوماسية السعودية الفذة، والحنكة والكياسة، والفطنة والدهاء لقادتنا - حفظهم الله وسددهم ورعاهم - لساقتنا تراكمات الأحداث إلى مواجهة سافرة على جميع الأصعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ تداعيات أحداث 11سبتمبر مباشرة التي أشارت أصابع الاتهام لحظة اندلاعها إلى بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، حتى قبل أن تبدأ التحقيقات وتتضح الهويات لمرتكبي هذا الجرم الشنيع الذي كان وما زال - على الأقل بالنسبة لنا نحن المستقبلين - لغزاً لا حل له!!، ولذا فإنني شخصياً أعتقد أن بروز نجم روسيا في الساحة الدولية من جديد- مع ما فيه من مضار ومخاطر لا تخفى- سيعيق مخطط التفتيت وإعادة التشكيل في المنطقة كما تتمنى قوة عالمية واحدة تحرص على علاج مشاكلها الداخلية - خاصة الاقتصادية منها - عن طريق زرع الصراعات في منطقتنا الشرق أوسطية، وتصدير الكره الذي يغلي في قلوبهم بطريقة مباشرة أو مستترة لبلادنا الإسلامية ، ودمومة الحروب بالوكالة في شوارعنا العربية.
إن الأيام القادمة قد تشهد تراجعاً واضحاً في سياسة الدول الكبرى إزاء المنطقة، خاصة بعدما بدأت روسيا تُرمم أوراقها المحترقة وتلتفت تبحث عن حلفائها في المنطقة من قبل، وبعد أن أيقن الأمريكان أن ما يخططونه على الورق ويرسمونه أحلاماً وردية يمنون بها الإسرائيليين والفرس على حد سواء أضحى بعيد المنال بمدد الله وعونه، ثم بحزم القيادة السعودية وقوتها - أدام الله عزها وحقق نصرها ودحر عدوها - واستبسال وفدائية رجال أمننا الأبطال - حفظهم الله ورعاهم وأعادهم إلى أهلهم سالمين غانمين- وتكاتف الصف الداخلي ووحدة الشعب السعودي خلف قيادته الحريصة على أمنه واستقراره ، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.