د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قد يتباطأ الاقتصاد ويتعافى فيما بعد، قد يهبط سعر النفط ويتحسن لاحقاً، قد تهبط وتيرة النمو الاقتصادي وتتحسن الظروف وتتسارع، ولكن عندما تدمر البيئة فلا يمكن استرجاعها. لنا خمسون عاماً ونحن ندمر البيئة بشكل سيجعلنا نبحث عنها يوماً ما ولا نجدها. الناس تُعنى باستراحاتها، بمزارعها، بحدائق منازلها أيما عناية ولكنها، بتناقض عجيب، لا تكترث لما يحصل لمزرعة الجميع، بيئة الوطن!!
كنت صغيراً عندما شاهدت شاحنات لأول مرة فورد حمراء قريباً من منزلنا تعلوها أكوام الغزلان الميتة، بعضها تفوح منه رائحة التعفن، فسألت والدي، رحمه الله، عنها، فأجابني: هذا صيد «مقناص». وكانت تلك المناسبة أول مرة أسمع فيها عن مصطلح «مقناص» ثم عرفت فيما بعد أنه يعني تتبع وقتل حيوانات بيئية للمتعة فقط، كما يصطاد أرستقراطية الإنجليز الثعالب في احتفاليات موسمية. وكانت المناطق المحيطة بالطائف تعج بمجاميع الغزلان وقطعانها بمختلف أنواعها، وهي أحياناً تتجه شرقاً وغرباً لتضفي على صحرائنا القاحلة بهاءً وجمالًا وطراوةً. هذه الغزلان وغيرها من الحيوانات الأخرى كالوعول، والمها، والنعام، والأرانب كانت تشاركنا في تحمل وعثاء صحرائنا، ويتعلق بها أجمل شعر غزلنا وتراثنا الأدبي والشعبي، ولكن لا يمكن لطفل أو حتى شاب اليوم أن يتخيل أنها كانت تتكاثر يوماً ما في بلادنا، وقد يشاهدها في حديقة الحيوان فقط ويعتقد أنها حيوانات دخيلة علينا.
سمعت فيما بعد أنه ما أن دخلت السيارة والبنادق الحديثة الجزيرة العربية، بنادق الصيد وغيرها، إلا وبدأ اندثار كل ما يدب على وجه هذه الصحراء من حيوانات. وسمعت أيضاً أن أول تجربة لطائرات الهيلكوبتر المقاتلة في بعض بلدان الخليج كان على الغزلان. تمت إبادة الحيوانات الأليفة في صحرائنا حتى لم تجد الحيوانات غير الأليفة كالسباع والذئاب والنمور ما تأكله، فاقتربت من الأماكن الحضرية بحثاً عن مخلفات الطعام فتمت إبادتها أيضاً بحجة الدفاع عن الماشية. ولم يبق لنا إلا قطعان القرود التي تتكاثر بلا حدود لأن القناصين الأشاوس ليسوا متأكدين من أن لحمها حلال، أو أن لحمها مستساغ، ولحسن الحظ فهم لا يعلمون أن شعوب شرق آسيا ترى أن للحم القرود فوائد جنسية. لِمَ لا وقد أفنوا جميع مستوطني المملكة من الأرانب والوبران، والأخيرة ليست إلا فئراناً كبيرة دفعها تطورها الطبيعي للتخلص من أذنابها الطويلة. بعض القانصين، أو القناصين، لا تهم التسمية، يأكل حتى الضباع بحجة غياب نص يحرمها وأنها مفيدة للنباح في الليل!! وهذه الوقائع يا سادة تحصل في القرن الواحد والعشرين وفي عصر تخمة غذائية غير مسبوقة ليس في تاريخ المملكة فحسب بل وفي تاريخ البشرية. فهل هذا يا ترى نتيجة لخلل عقلي أم مرض نفسي؟
قضينا بدون تمييز طبعاً على كل زاحف وماشي. ما لم نزهق روحه من أجل التفاخر باستعراضه على موائد «المقناص» لأنه صالح للأكل قتلناه للتسلية فقط، قتلنا الثعالب والنسور والعقبان أيضاً. واليوم نقضي على كل طائر وكل نبات، ولسان حالنا يقول ما لم ينزل به نص أو حديث فهو قابل للتدمير!! وأعتقد أن الرسول والصحابة والتابعين لم يتخيلوا قط أنه ستأتي على أمتنا أجيال بهذه البشاعة في التدمير. اليوم وأمام مرأى الجميع، المهتمون وغير المهتمين، هيئات حماية البيئة، ودكاكين تدمير البيئة التي بدأت مؤخراً تملأ جواد شوارعنا، تُمارس أبشع أنواع الإبادة الجماعية للطيور بلا تفرقة ولا تمييز. وما أن يحين موسم مرور الطيور المهاجرة إلا ويبدأ الاستنفار شبه العسكري للقضاء عليها وكأنما هي جيوش غازية وليست طيوراً وادعة مسلمة. أحدهم يفتخر أنه نصب شبكته في أحد الوديان فوجد فيها بعد أيام ما يزيد على ثلاثة آلاف طائر، كثير منها نفق قبل الوصول إليه!! هناك وللأسف تجارة علنية رائجة للطيور المهاجرة المبادة.. تجارة يُروّج لها المفسدون في البيئة بأنه «تقوي الباءة»، ومثل هذه الإشاعة وللأسف كفيلة في مجتمعنا بأن تجعل الناس يشترون ويستهلكون ما لا يتخيله الإنسان: الضب وصفوه بالفياجرا، والدخل سياليس، فالبعض وللأسف مسكون بالباءة، عقله تستحوذ على جزء كبير منه الباءة، فليت الهيئة الفطرية لحماية البيئة التي يبدو بلا شك أنها عاجزة عن وقف طوفان ميليشيات الباحثين عن الباءة في الطيور والحيوانات، أن تجرب فكرة أن تستورد كميات كبيرة من الفياجرا وتصرفها مجاناً لمن يبحثون عن تقوية الباءة بأكل الحيوانات البائسة.