عبدالله العجلان
فاجأنا منتخبنا قبل أن يفاجئ الأستراليين بمستواه وروحه وقتاليته وإصراره طيلة اللقاء على أن يقدم شيئاً يليق به وبتاريخه وبأهمية المواجهة وبالشعار الذي يتزين به وبالجماهير الوفية التي دعمته وساندته بالحضور والتفاعل، ولم يكتف بذلك، بل كان يستحق أن يخرج منتصراً ومتصدراً مجموعته ورافعاً أسهمه وحظوظه في الوصول إلى مونديال روسيا 2018م، لعلها المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي يظهر فيها الأخضر بأداء مغاير لتوقعات الجماهير والمراقبين والاعلاميين وحتى أمهر المحللين الفنيين، خاصة أنه يواجه بطل آسيا وأقوى المرشحين وأكثر المؤهلين لنيل بطاقة الوصول الأولى للمونديال، إضافة الى أنه قدم أمام أستراليا الصعب ما عجز عنه امام منتخب تايلند المتواضع والعراق المهموم المتراجع.
هو باختصار انتفض وتفوق على نفسه وعلى همومه واحباطاته فما السبب ومن يقف وراء انتفاضته؟!
كثيرون وأنا أحدهم أبهرتنا وأسعدتنا الروح القتالية التي كان عليها منتخبنا بشكل لافت لم نلمحه منذ سنوات ولم تقتصر على لاعب أو لاعبين بعينهم، وإنما شملت الجميع بما فيهم المتواجدون في دكة الاحتياط، الأمر الذي يدل على أن هنالك أجواء صحية ساهمت في التهيئة الجيدة للاعبين نفسياً ومعنوياً قبل المباراة، وهذه بالطبع لن تتحقق إلا بوجود جهاز إداري محنك وخبير قادر على احتواء اللاعبين وعزلهم عما يدور في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي من صخب وملاسنات وحروب تمس المنتخب وتشكك في عناصره ومدربه وكذلك إدارته، إلى جانب سرعة التعليق على ما يوجه ضد إدارة المنتخب وأجهزته ولاعبيه من اتهامات كما حدث في بيان الأهلي واتهام العابد، ومثل هذه كانت كفيلة باثارة البلبلة والضغوط والاحباط والتأثير السلبي على اللاعبين، لكن المشرف العام على المنتخب طارق كيال نجح ببراعة في احتوائها ومعالجتها بطريقة لا يجيدها سواه..
فنياً.. رأينا المنتخب يبدع ويتألق ويتفوق على المنتخب الأسترالي ويهدد مرماه في فرص سانحة للتسجيل أكثر من مرة، وفي تقديري أن هذا التطور في المستوى سببه اعتماد المدرب مارفيك في المباريات الثلاث على تشكيلة اساسية ثابتة حتى وهي تضم اسماء غير مقنعة للكثيرين، لكنها خلقت التناغم والانسجام وبالتالي الأداء بتركيز وايجابية وتصاعد من مباراة إلى أخرى، وهنا من الضروري الاشارة إلى ان جزءاً كبيراً من اخفاقات منتخبنا وأنديتنا في السنوات الأخيرة يعود الى عدم الاستقرار نتيجة التغيير المتسارع المتزايد للمدربين، وكذلك الاستسلام للضغوط الاعلامية والجماهيرية والتدخلات الخارجية، على العكس تماماً مما نشاهده في منتخبات وأندية عالمية تهتم بالاستقرار والثبات على قائمة واحدة أطول فترة ممكنة.
الإمارات.. مفترق طرق
غدا أمام منتخب الامارات المستقر والمؤهل للمنافسة بعد فوزه القوي على اليابان على ارض الأخير وبين جماهيره في انطلاقة التصفيات ثم فوزه مؤخرا على تايلند، سيكون الأخضر على أعتاب خطوة مهمة ومفصلية يعززها وصوله للنقطة السابعة وتقاسمه الصدارة مع المنتخب الأسترالي والمنافسة على بطاقتي التأهل للمونديال..
الآن منتخبنا يمر بانتعاش معنوي وفني الى جانب تجاوزه لرهبة وهاجس مرحلة البدايات المقلقة، وبموجبها استعاد الأخضر شيئا من ثقته وهيبته وبات مؤهلا للمقارعة والتفوق على أي من المنتخبات الآسيوية، وأصبح أكثر نضجا وطموحا ومتسلحاً بعدد كبير من النجوم وبمدرب فطن ومشرف اداري فاهم ومتمرس وبجمهور وفي، ومدعوم من اعلى سلطة رياضية، ومن منابر واصوات إعلامية عقلانية مؤثرة، أي ان لديه كل مقومات الاستمرار في المنافسة والصدارة، الأمر الذي يجعلنا أكثر تفاؤلا حين يلتقي غداً بشقيقه الإماراتي، لكن هذا لا يعني الجزم بتحقيقنا الفوز بقدر ما يستدعي ذلك من الجهازين الفني والإداري الالمام بقيمة وأهمية المباراة في مشوار الأخضر، وبما هو مطلوب للخروج منها بنتيجة إيجابية لا تزيد من حظوظه فحسب وإنما تمنحه المزيد من الثقة والمسؤولية في المواجهات المتبقية الحاسمة.
شخصياً ليس أمامي أفضل من الدعاء لمنتخبنا بالتوفيق، وتذكير اللاعبين بأنهم يرتدون أغلى وأسمى شعار ويحملون هم وطموح وتطلع قيادة وشعب ينتمي لبلد بحجم ومكانة وتاريخ وشموخ المملكة العربية السعودية، وان مباراة الإمارات فرصة للاقتراب من تحقيق حلم يمثل لنا ولهم وللوطن الشيء الكثير، وتحويل هذا الحلم إلى واقع يتطلب منهم التركيز وبذل الجهد والاهتمام بأنفسهم وأدائهم، وقبل هذا اللعب بعطاء الفريق الواحد وبروح عالية كتلك التي شاهدناها في لقاء أستراليا، وهذه مجتمعة ليست مستحيلة على منتخب يزخر بالنجوم، ويملك كل أدوات ومواصفات وعوامل تفوقه وإبداعه.