د. خيرية السقاف
من ضرورات المرحلة أن تولي وزارة التعليم الثقافة الدينية عنايتها البالغة, ذلك لأنّ الأسئلة العديدة التي يطرحها الناشئة, والشباب ذوو المعرفة الهشة في شأن دينهم هم أول من يتلقى الإجابات عنها من المتسلقين على جدار الدين, المانحين أنفسهم حرية الكتابة في شؤونه وهم أبعد ما يكونون عنه, وأقل ما يملكون من فهمه غير أنهم الأكثر تأثيراً في هؤلاء الناشئة, وأولئك الشباب القارئين, والمنصتين لهم فيما تنقله لهم الوسائل المختلفة بغفلة الواعين المسؤولين عنهم..
لذا كثر من يجادل منهم في شأن دينهم على غير بينة, وذهب كثيرهم يشككون في صحة أصح مصادره, ويقللون من شأن كثير من أئمته وقدوته, كما لا يحرصون في أدائهم على صلاتهم, ولا النوافل , والذِّكر, ولا يقبلون على تلاوة القرآن, بل يقفون عند الأخذ اكتفاء بأداء الصلاة كيفما اتفق حين يذكرون بها, وإن لم يسهون عنها, ونحو ذلك مما هم عليه هؤلاء في سلوكهم اليومي..!
بضاعتهم قليلة, وعلمهم ضئيل في كتاب ربهم وحديث نبيه رسولهم عليه الصلاة والسلام , فهم لدنون كالعجين يأخذهم المنبثون في طُرقهم نحو الشك, والقلق, والاضطراب في الحقائق فيأخذون بقولهم, لأنهم دون علم, ولا معلم ..!
إنّ الغالبية منهم خرجوا من فصول التعليم جهلة بأهم ما يورثهم خيري الدنيا, والآخرة, حصادهم قليل, ولذا فإنّ عباداتهم قليلة..
هاهم يهدرون أوقاتهم في اللهو, وفي الترحل حيث تفتح لهم الأبواب, والنوافذ شاشات أجهزتهم, فتتسع الهوّة, إن نظرت لحالهم رثيت عليهم, وحزنت لما آلت إليه متانة البنية الدينية الصحيحة, السليمة, المعتدلة القويمة فيهم, بينما هم عماد المستقبل, وعناصره الفاعلة..
تساعد على ذلك الأفكار المنتشرة في محيطهم عن كل مستجد بما فيه السلوك التعبدي بدعوى مواكبة العصر, وادعاءات اختلاف الجيل عمن سبق, على الرغم من أن التربية والتعليم عليهما واجب التدريب لترسيخ القيم الدينية بأخلاق التعامل مع ممارستها في سلوك الفرد منذ اللثغة في نطق الحرف, وقراءة الجملة..
إنهم في البيوت حين تحدب عليهم قلوب الأمهات الولهات تجدهم يبادرون بالنقاش المفرَّغ من الحقائق, الخواء من المعرفة, ذي الجرأة التي لا تقرها قيم السلوك التي اعتادت عليه هؤلاء الأمهات والآباء, ومنهم من الآباء من أسهم في صناعة هذا النمط من سلوك الجيل عندما شغلوا في العقود القليلة الماضية, والذين هم مشغولون الآن أيضا بكثير من مساعي التكسُّب باختلافه فأصبح أبناؤهم يثقل عليهم كثيراً التوجيه للصلاة في وقتها حين يوجهون, أو لفتهم للجلوس بعدها للذِّكر, وللنوافل, أو للاستزادة من الطاعات بدعوى أن هذا أمر شخصي, مع أنّ الظواهر أدلة على المخابر, كما إنهم عند محك الجل, والحوار لا يملكون حجة في شأن دينهم, ولا بضاعة..!
إنهم حصاد مؤسسة تعليم لم تضع في خططها أنّ كل دارس فيها ينبغي أن يتخرج منها وهو مفعم باليقين, حريص على إتقان عباداته, فاهماً دينه حق الفهم, ملماً بتأريخه, ورسالته, وقادته, وقدوته, متحلياً بخلق المسلم بضوابط الإدراك, المشفق من التفريط بيقين المعرفة, والإفراط بوازع الخشية, الحريص على التقرب من ربه برغبة المحبة.. وكل هذا ميول تؤسس, وقيم تزرع, وسلوك يُدَرَّب. كان المعلمون معنيين به أيما عناية, توافقاً مع الأسرة, والمسجد محاضن الدربة, والتطبيق.
ما يُلحظ الآن في السلوك التعبدي للجيل, وفي فهمهم اليقيني للدين أنّ غالبية منهم في هذا الشأن ليست توسم بوسطية معتدلة, وإنما تميل للتفريط بل الإفراط جهلاً, وتهاوناً لا يليقان.
فإن كان هذا حالهم, فكيف سيكون حال أبنائهم من بعدهم..؟
ولعلنا أن نلتفت, ونلتف, ونتقي..!
إن نزاع المفارقات, والتضاد في الشأن الديني, والتعبدي لدى الأكثرية من النشء, وشباب الجيل إنما يعود للتفريط في الاعتدال, والإفراط في الغلو..
ما أفرز الفئة الغاوية منهم, والأخرى الفارغة, بينما لا يخلو المجتمع من فئة ثالثة من النبع تغرف فتروي, وترتوي لكنه القلة التي اتجهت للدرس فيه, أو يكابد الأهل من أجلها.
مع ملاحظة أن قيادياً إسرائيلياً وقف مؤخراً وفي سخونة وقائع العالم وفوضاه على منصته، ليقرر على مؤسسة التعليم لديهم تعليم الدين اليهودي, كأول ما يجب أن يكون في خطط وتنفيذ مؤسسة التعليم اليهودية لديهم, فهو يقول: «إن تعليم الدين أهم من تعلُّم العلوم والتقنية»..!!
فما نقول نحن يا وزارة التعليم ..؟!