عبد الرحمن بن محمد السدحان
وُصِفَ فقيدُ الوطن الكبير معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله أكثر من مرةً بأنه (استثناء)، وقد كان حقاً جديراً بهذا الوصف استهداءً بما عُرفَ عنه وبه: قدراتٍ وإنجازات وسيرةَ حياة!
* * *
كان التفوقُ رفيقَ مشواره الطويل منذ أن نطق بالشعر ولمّا يتجاوزْ التاسعة بعد، مروراً بمراحل التعليم المختلفة قبل أن يلتحق بجامعة الملك سعود أستاذاً جامعياً (1970م ـ 1974م) بعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم عُيِّن رئيساً لقطاع سكة الحديد (1974م ـ 1975م) كما حمَل (وزْر) أكثر من مهمة وزارية صعبة، قبل نحو أربعين عاماً بدْءاً بتولّيه حقيبة الصناعة والكهرباء (1975م ـ 1982م) فحقيبة الصحة (1982ـ 1984م)، ثم في وقت لاحق، حقيبة المياه والكهرباء (2003م ـ 2004م) قبل أن ينتهيَ به المطافُ في وزارة العمل بدْءاً من عام 2004م وانتهاءً في 2010م.
* * *
نعم.. ذلكم هو غازي قلعةُ الفكر والشعر، وقامتهما المنيفة، ورغم ذلك، يُبْهركَ تواضُعه الذي لا يخصُّ به أحداً دون آخر، وكان من أهمَّ خصاله أنه يحترمُ مَنْ يختلفُ معه في الرؤية والرأي، فيجادله بالحُسْنىَ، فإمّا أقنعه أو اقْتنع أو تَركَه لشأنه، ثم تعجَب فيما بعد وأنتَ تشاهُد وتسمعُ تواصلَ أنفَاس الودَّ بين الاثنيْن، وكأنّ شيئاً بينهما لم يكن!
* * *
شرُفْتُ بمعرفته بادئ الأمر قبل أكثر من أربعين عاماً، بدْءاً من لوس أنجلوس الأمريكية، يوم كان كلُّ منا طالباً للعِلم في إحدَى جَامعاتها الخاصة، وكنتُ يومئذٍ أخُطو خطواتي الأولى في فصولها، فيما كان هو في أواخر مرحلةِ الماجستير التي نالها بتَفوّق.
* * *
وقد منَحني القربُ منه داخل تلك الجامعة وخارجها فرصةً لا تُعوّضُ لأتعلَّمَ عنه ومنه الكثيرَ مما أفادني في مشْواري الأكاديمي بدْءاً، ثم ما تلا ذلك لاحقاً عبْر مراحل عُمري الأخرى، وكان في كل الأوقات نِعمَ الناصَح لي ونعمَ المشير!
* * *
وأذكر أنه خلال فَتْرة الدراسة الجامعية في لوس انجلوس، تمَّ انتخابُه من قِبَل الطلاب السعوديين والعرب في جامعة جنوب كاليفورنيا ليرأَسَ فرع جمعية الطلاب العرب بالجامعة، واختارني هو (أميناً لصندوق الفرع) الذي لم يكن له مورد مالي ثابت سوى ما تدُّره رسومُ العضوية تحصِيلاً متواضعاً من الطلاب أو التبرعات إنْ وجدت!
* * *
وذات يوم، لم يستطع رحمه الله أن يقاوم هاجسَ الدعابة بعد أن شاهدني في حفلٍ للجمعية مرتدياً ربطة عنق جديدة كان سعرها أقل من عشرة دولارات، فابتسم رحمه الله وهو يشير إليّ وإلى ربطة العنق، متسائلاً: من أين لك هذا يا عبدالرحمن؟! وهنا، سمعتُ هتافاً صادراً من بعض أرجاء القاعة يردّد (نعم نعم.. أعدها يا غازي) وضحك الجميع.. وضحكت معهم، وكانت ليلة لا تنسَى!
* * *
(وللحديث بقية)