د. يوسف خالد جنينة
قبل نحو عامين من الآن، كان آخر عهد أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، ورغم أن رحلة الهبوط كانت سريعة، إذ خسر البرميل 50 في المائة من قيمته في أقل من 4 أشهر، إلا أن درجة تأقلم المملكة مع هذا الوضع الاقتصادي لم تكن بسرعة انحدار الأسعار.
يعاب على الاقتصاد السعودي الاعتماد بشكل شبه كامل على النفط، ورغم أهميته ودوره في تحقيق تنمية شاملة في كافة مفاصل الدولة، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه إلى الأبد، فهو سلعة مهددة بالانقراض، ستنضب يوماً ما، ولا أحد يدري متى، بل وكم يبلغ حجم الاحتياطي تحت الأرض، فضلاً عن خضوعه لمخاطر عالية، مثل العرض والطلب، ووجود المنافسين، والتبادلات السياسية والتجاذبات الإقليمية التي لا تخفى.
هدف المملكة الإصلاح الاقتصادي كعامل نجاح في بناء اقتصاد متوازن وقوي وتحقيق نمو مستدام، وأهم عاملي إصلاح هما: تقليل الاعتماد على النفط وتخفيض العمالة الوافدة، خصوصاً أن عدد سكان المملكة نحو 31 مليون نسمة، يمثل الشباب دون سن 25 عاماً فيها نسبة 49 في المائة، ومن هم دون سن 35 عاماً يمثلون 60 في المائة، وسيدخل خلال السنوات الـ15 القادمة نحو 6 ملايين جدد من الشباب السعوديين إلى سوق العمل، وهو ما يعكس الطاقة البشرية الضخمة التي تمتلكها المملكة التي قررت أن تستثمر هذه الطاقات.
لا شك أن المرحلة التالية صعبة على الجميع، وعلى الدول أن تتحلى بالثقة لتجاوز هذه المرحلة، ويجب أخذ الحيطة والحذر عند أخذ القرارات الاقتصادية، والتي قد تؤدي إلى الانكماش والركود والتباطؤ الاقتصادي.
خطوة موفقة
لنا في رؤية السعودية 2030، وخطة التحول الوطني 2020، نموذجاً حياً للقرارات المدروسة، خاصة أنها رؤية مبنية على التفاؤل والطموح والعمل الجاد.
ففيما تصدر وزارة الخارجية نحو 14 مليون تأشيرة سنوياً، صدر قرار مجلس الوزراء برفع رسوم التأشيرات، بهدف زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 ملياراً إلى 1 تريليون ريال سنوياً، أحد أهم أهداف رؤية 2030، ومن الأهداف التي قد يشكل تحقيقها؛ تحدياً كبيراً للدولة.
ووسط توقعات بأن توفر رسوم التأشيرات الجديدة ما يزيد على 30 مليار ريال سنوياً للميزانية العامة، هناك خطوات أخرى قد تخفف من عجز الميزانية المتوقع، وتدفع نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 بشكل أسرع، وهي:
حلول سريعة للسكن
أسعار العقار ما زالت تعاني من الارتفاع الكبير الذي شهده القطاع خلال الأعوام الماضية، وما يزيد المشكلة تعقيداً ما تقوله الإحصائيات من أن كلفة الأرض تشكل نسبة من 50 إلى 60 في المائة من قيمة المنزل في كثير من المدن، خصوصاً الرئيسية منها كالرياض وجدة والشرقية، في حين أن القيمة الطبيعة هي في حدود 30 في المائة من قيمة المسكن.
لعل الحل الأمثل تطبيق رسوم الأراضي البيضاء، لكن تأخر تنفيذها يؤدي إلى أزمة حقيقية في الإسكان، فالتجار والمواطنون يترقبون منذ أشهر آلية التنفيذ، والتي تأخرت كثيراً، ويحتاجون إلى تطمينات حكومية بعدم إمكانية التهرب أو التلاعب أو التحايل عن سداد الرسوم.
لكن هل رسوم الأراضي البيضاء هل الحل الوحيد لأزمة السكن؟
بالتأكيد لا، الدول المتقدمة كانت لها تجارب يمكن دراستها، ليس بالضرورة «استنساخ» ولكن يمكن الاطلاع عليها واستلهام الحلول للخروج بتجربة أكثر ملائمة للثقافة السعودية.
ومن هذه الحلول السريعة المقترحة:
- فرض رسوم على الوحدات السكنية المعدة للإيجار إذا شغرت مدة 6 شهور فأكثر للإسهام في خفض إيجار العقارات.
- تنسيق وزارة الإسكان مع القطاعات العسكرية لإيجاد مساكن للأفراد العسكريين تستقطع من رواتبهم خلال خدمتهم.
- إلزام الشركات العملاقة، خاصة الحكومية، بتوفير مساكن لموظفيها، ولنا في تجربة شركة أرامكو السعودية نموذجاً.
إلى جانب مشاريع وزارة الإسكان الدعم السكني، وإيصال الخدمات لأراضي المنح، وتطبيق الرهن العقاري بيسر وسهولة، وتقديم قروض من البنوك للمواطنين بشروط ميسرة.
«صنع في السعودية»
الحل الأمثل للصناعة هو تشجيع شراء المنتج السعودي، تحت شعار «صنع في السعودية»، وبالتالي المزيد من الاستثمارات السعودية للاستفادة من هذه الفرصة، ثم توظيفهم مزيداً من السعوديين، وبالتالي دورة اقتصادية متكاملة.
المملكة مقبلة على تقدم صناعي، ولديها طموح مشروع في ريادة العالم، يخدمها موقعها الاستراتيجي، ووجود نموذج حي «دبي» قريب من ظروف المملكة.
ويمكن استلهام تجربة «بكل فخر صنع فى مصر» لتنشيط الصناعة المصرية.
الكنز السياحي:
السياحة كنز خفي في السعودية، وقطاع لم يستغل بعد، ولنا أن نتساءل: لماذا تنجح السياحة في دول الخليج المجاورة ولا تؤتي أكلها هنا؟
أجهزة السياحة التي أنشأتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في مناطق المملكة لا يزال دورها ضعيفاً في تعزيز السياحة، لا فعاليات جذابة، ولا مهرجانات بأفكار مبتكرة.
ومن الحلول العاجلة:
- إنشاء صندوق التنمية السياحية، لإقراض المستثمرين في السياحة.
- الاستفادة من مدائن صالح كموقع سياحي عالمي، وتسيير رحلات إليه من داخل المملكة وخارجها، تماماً كموقع «البترا» في المملكة الأردنية الهاشمية، والذي يضخ للأردن الأموال، ويوظف أبناء البلد في الخدمات المساندة.
- حل مشكلة التأشيرات السياحية وتسهيل إصدارها، بالتعاون مع وزارة الخارجية.
- السماح بقيام حفلات غنائية ضمن مهرجانات الصيف، حفلة الفنان محمد عبده في سوق عكاظ مثال ناجح، سينشط السياحة بدلاً من التوجه إلى الدول المجاورة لحضور حفلات الفنانين السعوديين.
الطيران
العثور على مقعد طيران في الأعياد والإجازات أصبح مهمة مستحيلة، لذا فإن بدء عمل بعض شركات الطيران الممنوح لها رخصة طيران سيكون كافياً لسد فجوة العرض والطلب على السعة المقعدية في سوق الطيران السعودي.
الهيئة العامة للطيران المدني منحت رخصة تشغيل لناقل جوي جديد هي خطوط نسما، التي تعود ملكيتها للقطاع الخاص، وكانت الهيئة قد منحت رخص التشغيل في السابق لكل من الناقلات الجوية (ناس) (سما) (الوفير) (المها القطرية) (السعودية الخليجية).
ومن الحلول لزيادة الإيرادات غير النفطية عبر قطاع الطيران، فرض رسوم خدمات على الرحلات المغادرة، بحيث تكون رسوم على الراكب المتجه إلى أوروبا وأميركا، ورسوم أقل إلى الراكب المتجه إلى دول آسيا، ثم رسوماً أقل للراكب إلى الدول العربية.
5 - الكهرباء بتوليد الطاقة الشمسية
يبلغ احتياج المملكة الفعلي من الطاقة 45 جيجاوات تقريباً، فيما تجاوز معدل الزيادة السنوية للاحتياج 7.5 في المائة. وبهذا المعدل من الارتفاع، سيبلغ احتياج المملكة من الكهرباء 120 جيجاوات عام 2030.
رؤية المملكة 2030 وضعت إنتاج 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2023 هدفاً استراتيجياً لها، وهو ما يعادل 10 في المائة تقريباً من الاحتياج الفعلي المتوقع في ذلك العام تقريباً.
وبذلك لن تحل مشكلة الكهرباء، فالمملكة تستهلك نحو 4 ملايين برميل من النفط يومياً لتوليد الكهرباء، ومن المتوقع أن يصل الاستهلاك إلى 12 مليون برميل نفط يومياً عام 2035، أي أن المملكة ستكون غير قادرة على تصدير برميل نفط واحد للخارج.
وبما أن المملكة تتمتع بمساحات شاسعة، فإنها ذلك يؤهلها لتوليد كامل احتياجها من الكهرباء، بل والتصدير للدول الأخرى، وبذلك يتم توفير 100 مليار برميل من النفط خلال 30 عاماً.
استغلال الغاز
المملكة هي الخامسة عالمياً في احتياطيات الغاز الطبيعي، ومن بين أكبر 5 دول عالمياً في احتياطيات الغاز الصخري، تقدر بـ 645 تريليون قدم مكعبة، مقارنة بـ 285 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز التقليدي.
فإذا كانت المملكة لديها كل هذه الاحتياطيات الضخمة من الغاز الصخري، فلماذا لا يتم استغلاله؟
كانت المشكلة سابقاً في شح المياه، أما الآن فلا بد للمملكة أن تدخل هذا السوق العملاق، بفضل توفر تقنية «التكسير الجاف» التي لا تعتمد على المياه.
مشاريع الشباب
تؤكد آخر الدراسات أن 52.4 في المائة من السعوديين يرغبون في بناء مشاريعهم الخاصة، وهو دليل على تغير نمطية تفكير السعوديين بعدم الاعتماد على الوظيفة، سواءً في القطاعين العام والخاص.
لكن المشكلة تكمن في التسويق وتوافر اليد العاملة، وهما من المشاكل التي سرعان ما تصطدم بها هذه المشاريع لتهرب من السوق مفلسة وخاسرة.
لذا المطلوب من هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأخذ بيد شباب هذه المشاريع، وتسويق منتجاتهم، عبر جعل شراء منتجات هذه المنشآت شرطاً للحصول على عقود المشاريع الحكومية.
كما يستلزم الاتفاق مع وزارة العمل لاستثناء هذه المشاريع لسنوات معينة من أي تغيير في سياسات الوزارة وشروطها، حتى يقوى عودها ويشتد مع الوقت، وبعدها يمكن تطبيق القرارات عليها بعد استثنائها لزمن مناسب.