انطلقت برامج الرؤية 2030 وتم اعتماد ميزانية برنامج التحول الوطني 2020 وهو البرنامج التنفيذي الأول لتحقيق أهداف الرؤية الحلم للوطن والمواطن، والمجتمع في حالة ترقب لأداء الحكومة الجديد والذي يتطلب أسلوباً مغايراً في التنفيذ والانجاز ومدعّم بأرقام واحصائيات ومؤشرات أداء تقيس التقدم وتعكس مدى الجدية للجهات المنفذّة وتطمئن المواطن بسير خطط التنمية وفق رؤيتهم الحلم 2030.
لغة الأرقام كما يقال لا تكذب أبداً وإن كذبت فهناك مشكلة في المدخلات إما مشكلة متعمدة من المُدخل أو مشكلة تقنية في الحسابات وفي كل الأحوال فهي تعود لأصلها بعد كشف المشكلة وتكون صادقة وبغض النظر عن نتيجتها إما إيجابية أو سلبية، ولذلك فقد أحسن من وضع الرؤية 2030 والتحول الوطني 2020 بأن وضع المدخلات ومؤشرات الانجاز والمستهدفات ونشرها ليكون إشهار دوري للإنجاز ومستوى التقدم وبلغة الأرقام.
لغة الأرقام والاهتمام بها هي موجه عالمية بدأ بها علماء الاقتصاد والتنبؤ، ثم تطورت وأصبحت تقيس كمياً جميع مناحي الحياة وتُبنى عليها مؤشرات الإنجاز لجميع المشاريع الحياتية، وهذا الموجة من الاهتمام وصلتنا مؤخراً، فأصبح المواطن البسيط يستطيع تقييم الجهات التنفيذية التي تنفذ مشاريع تهم حياته اليومية ومستقبله وبكل تأكيد ستنعكس تلك الارقام مباشرة على الحالة المزاجية للمجتمع بالرضا والسعادة أو بالحزن والتعاسة.
ومن المحزن جداً وفي ظل ارتفاع وعي المواطن بالأرقام ودلالتها أن يكون هناك ازدواجية في لغة الارقام والاحصائيات بين عدد من الجهات الحكومية والخاصة وشبة الحكومية! فلا يمكن لجهة ما أن تُعلن بنجاحها لمعالجة مشكلة ما وبالأرقام ثم تظهر جهة أخرى وتُعلن ازدياد نفس تلك الظاهرة أو المشكلة وتثبت ادعاءها بالأرقام كذلك !! وقتها سيصاب المواطن بالإحباط لعدم احترافية تلك الجهتين وهو بطبيعة الحال خير من يثبت صدق أحد الجهتين وخطـأ وسوء تقدير الجهة الأخرى! فهو من تؤثر عليه تلك المشكلة أو الظاهرة بشكل يومي وبالتالي يعرف عن اضمحلالها أو تفاقمها أو ثباتها.
ولعل خير مثال على تلك الازدواجية في الأرقام بين جهتين ذات أهمية بالغة على حياة المواطن وذات تأثير عال على جيب المواطن هي مشكلة تضارب المعلومات والتصريحات الرسمية بين جهاز المرور وشركات التأمين (التأمين على المركبات) !!
ففي أكثر من تصريح لمسؤولي المرور أوضحوا بالأرقام بأن نظام ساهر ساهم في خفض الحوادث والوفيات وقد صدرت عدة تقارير تؤكد تصريح المرور من مستشفيات وأطباء (وبالأرقام كذلك!) فقد أوضحوا بأن الاصابات والحالات العلاجية الطارئة انخفضت بعد تطبيق نظام ساهر! وفي تصريح آخر في نفس الشأن ولكنه يتناقض مع تلك التصاريح السابقة لشركات التأمين على المركبات والتي رفعت رسومها على المواطن بواقع 400% بأن سبب رفعها لأسعار رسوم التأمين جاء بسبب زيادة التعويضات التي سببها كثرة الحوادث!! وقد رفعت أسعارها مدّعمة قرارها بالأرقام كذلك!! وفي سياق متصل أصدر مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث دراسة تفيد بأن ساهر لم يخفض نسبة الحوادث والوفيات!
في هذا المثال الحي يتضح جلياً تأثر المواطن والمزاجية العامة للمجتمع بشكل مباشر من تلك الأرقام المتناقضة، فأرقام أسعدت المجتمع بخفض معدلات الحوادث والوفيات وأرقام أحزنت المواطن وأثقلت جيبه برفع سعر التأمين على مركبته والمشكلة واحدة! وتلك بلا شك ازدواجية مزعجة ولا تمثل قيم الرؤية 2030، فجميع المشاريع الناجحة تعتمد بشكل أساسي على دقة الأرقام والاحصائيات الموثوقة وإذا حصل فقد ثقة من قبل المواطن في الاحصائيات الرسمية فسنفقد معها الطاقة الايجابية الداعمة التي تحفز المواطن على العمل بكل طاقته أياً كان موقعه لتنفيذ خطط الرؤية.
الرؤية 2030 تمثل مصدر إلهام للمواطنين فهم يتغنون بها في مجالسهم ويحلمون بها ويطمحون لتحقيقها، ومصداقية الأرقام للإحصائيات الرسمية تمثل حجر الأساس في ثقة المواطن ببرامج الرؤية، فالمؤشرات لتحقيق الرؤية تعتمد على الأرقام، وأي خطأ يحصل في الأرقام بسوء تقدير أو بتعمد سنفقد ذلك الإلهام والطاقة التي هي وقود الرؤية.
- د.حسان الحقباني