يمكننا القول إن الدول التي رُسمت حدودها وحَوت داخل تلك الحدود منذ تكونها سكاناً مختلفي المرجعية هي دول يعد التنوع أصلاً فيها وسمة أساسية من سماتها، في حالات أخرى لدول أخرى لم يكن التنوع فيها حاصلاً كما هي عليه في الوقت الحالي، غير أنه لظروف معينة - تختلف من دولة لدولة - برزت أشكال جديدة من التنوع وأصبحت هذه الأشكال - مع مرور الوقت - أساساً في تركيبة المجتمع.
دعوني أستعرض حالة التنوع في دولتين، في الأولى يعتبر التنوع ثابتاً، والعكس في الدولة الثانية، أي متغيراً، ونقصد بثبات التنوع في دولة أمرين، الأول أن أشكال التنوع الموجودة الآن في الدولة هي نفسها التي كانت موجودة عند تأسيسها أو استقلاها، ونسبة عدد أفراد كل فئة أو جماعة قياساً بغيرها في السنوات التي تلت عام التأسيس أو الاستقلال هي نفسها تقريباً في الوقت الحاضر، الأمر الآخر هو أن قوانين الدولة منذ سنها للمرة الأولى نصت على اعتبار جميع أفراد المجتمع باختلاف مرجعياتهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ولا فرق بينهم، بمعنى أن القوانين لم تكن ذات موقف سلبي من تنوع الشعب واختلاف مرجعيات أفراده، في دولة بهذا الشكل يمكننا أن نصف التنوع فيها بأنه ثابت، بمعنى أنه ثابت في شكله ونسبه وفي حضوره وفق نص القوانين تجاه تعدد واختلاف أفراده.
في النوع الأخرى أخذ التنوع وقتاً ومر بمراحل مختلفة إلى أن وصل إلى شكله الحاضر، بمعنى أننا لو قارنا ما بين هيئة التنوع الحالي بهيئته قبل تكون الدولة وبعدها مباشرة لوجدنا أنهما مختلفان تماماً، مختلفان شكلاً ونسبة وقانوناً - أي موقف القانون من بعض الأشكال - إضافة إلى أنه - وهنا المهم - لا يفقد صفته الاساسية الا وهي التغير، فهو في تغير مستمر، لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل، هاتان الدولتان هما المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
عندما أُعلن توحيد المملكة عام 1932م، كانت الدولة حينها تحوي جميع الاختلافات الموجودة في صورتها الآن، الاختلاف العرقي والثقافي والمذهبي والقبلي والاثني وغيرها، كان أبناؤها يعيشون في مناطق مختلفة، وكل منطقة تجمع هذه الاختلافات في شكل أو أكثر من أشكال التنوع، هناك مناطق تتعدد فيها الاختلافات، ومناطق أخرى يغلب عليها شكل من أشكال التنوع، وغلبة شكل لا يعني أن الأشكال الأخرى بلا حضور، هي حاضرة غير أن تأثيرها أقل، فمثلاً غلب على منطقة الجنوب التنوع القبلي وعلى نجد التنوع الاثني، بينما احتوت الحجاز - وما زالت - كثيراً من أشكال التنوع لوجود الحرمين الشريفين فيها كوجهة للمسلمين للزيارة والحج ومن ثم الاستقرار، إذن - بشكل عام - لا يوجد شكلٌ يمكن اعتباره أصلاً وآخر لا، التنوع بأشكاله الحالية في أصله موجود، ليس بحاجة إلى تحقيق، لأنه متحقق أصلاً.
الأمر مختلف نوعاً ما بالنسبة للولايات المتحدة، أعلنت الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبذلك أصبحت دولة مستقلة، في ذلك الحين لم يكن التنوع الموجود هو التنوع الموجود في صورته الحالية، قدمت كثير من الفئات قبل استقلال الدولة، غير أنها كانت في أعداد بسيطة لا يمكن اعتبارها، لكن يمكن القول إن القرنين الماضيين هما اللذان شكلا وجه وملامح الدولة، حين استقلت الولايات المتحدة كان البيض والسود واللاتينيون هم من يمثل - بشكل كبير - المجتمع الأمريكي، الأمر الآن مختلف تماماً، هناك العديد من أشكال التنوع الديني والمذهبي والعرقي والاثني والثقافي وغيرها من أشكال كونت وما زالت تكون طبيعة المجتمع الأمريكي بعد استقلاله وحتى الآن، والتي أصبحت جزءاً أساسياً في التركيبة السكانية.
أيضاً مايزت في الماضي القوانين الأمريكية بين الجماعات، فعادت أفراداً في المجتمع بسبب مرجعيتهم وألوانهم وحابت آخرين لنفس السبب، هذه القوانين أصبحت اليوم تجرم هذا الفعل، لقد عُدلت لتصبح للجميع، إذن نحن أمام دولة شكل التنوع والقوانين المتعلقة به في تغير مستمر، وعلى هذا الأساس اعتبرنا أن التنوع فيها تنوع متغير، وسنوضح الأمر أكثر لاحقاً، ما يهمنا هو أن التنوع أصبح علامة بارزة وسمة أساسية فيها، ومحميا باسم القانون.
والسؤال الآن هل هذا الاختلاف في حالة التنوع في بداية نشوء الدولتين يحتم اختلاف الموقف منه؟ بمعنى آخر هل يمكن أن نصف التنوع في السعودية بأنه تنوع أصيل بينما في الولايات المتحدة عارض؟ وعلى هذا الأساس هل الجماعات والناس تُعامل وفق امتداد جذورها زمنياً في الدولة؟
ذكرنا أن شكل التنوع في المملكة العربية السعودية موجود قبل توحيدها ولا يزال مستمرا، لم يحدث أن حصل حتى الآن أن ظهر نوع جديد، فعلى سبيل المثال، على المستوى الديني لدينا تنوع مذهبي وطائفي، وهذه الطوائف موجودة من قبل، والسنة تمثل أغلبية بين تلك الطوائف منذ ما قبل التأسيس وحتى الآن، بينما لم يكن هناك تنوع ديني ولم يحصل أن ظهر شيء من هذا، وليس هناك مؤشرات تعطي احتمالية ظهور جماعات في المستقبل يدين أفرادها بدين آخر، أو احتمالية تحول المذهب السني من أغلبية إلى أقلية، إذن التنوع في السعودية لا يزال متمسكاً بأشكاله ونسبه، هذا لا يعني أن الوضع قد يبقى على هذا الشكل، ربما يستمر وربما - لظروف معينة سياسية أو اقتصادية أو غيرها من أسباب ذات صلة بالمستوى التعليمي والثقافي- يتغيير شكل المجتمع وثقافته وشكل التنوع فيه.