«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كنت مع الأبناء نشاهد أحد الأفلام الممتعة والتي كانت تشتمل على مشاهد مثيرة وصعبة جداً في تمثيلها، بل وحتى استحالة أن يقوم الممثل «البطل» رغم ما يتمتع به من قدرات وامكانات ان يقوم بتجسيدها.
عندما سألني حفيدي: «هل هذا معقول أن يقوم إنسان بمثل هذا الدور شبه الخارق». والحق أن تساؤله كان في محله لكن الذي لا يعرفه أن التمثيل ومنذ كان صامتا فهو يعتمد على العديد من الخدع والبراعة في ابتكار الحيل التي تساعد على إبراز دور الممثل بصورة خارقة.
ورحت أذكر له شيئاً مما كنت قد اطلعت عليه في هذا المجال.. ووعدته لاحقاً أن أكتب عن هذا التساؤل في هذه الإطلالة لهذا اليوم، والذي خصصته عن «أسرار تركيب الأفلام» والذي بات علماً وفناً يدرس في كليات الفنون وعلى الأخص الاخراج والمونتاج السينمائي.
وكثير ما تشاهد خدعاً سينمائية بارعة قد تمت في الحقيقة بتركيب مشهدين مختلفين بشكل فني وبجهد كبير قد لا ينجح منذ أول محاولة.
وقد دخلت تقنية الكومبيوتر هذا المجال محققة إنجازات جديدة رائعة من خلال استخدام تقنية رقمية مدهشة، وقبل وجود هذا الجهاز كانت عملية تركيب المشاهد تتم ضوئياً وتتكون الصورة النهائية من مجموعة أمامية تصور عادة بشاشة زرقاء كخلفية لإخفاء الأشياء ذات اللون الأزرق مثلاً، ومجموعة خلفية تتضمن المشهد المضاف للفيلم الأصلي وخلفه نسخة ثانية من المجموعة الأمامية، حيث تحرك هذه النسخ جميعها بصورة معينة للحصول على مشهد مركب من النسخ الثلاث، وهذا شيء معقد خصوصاً أن بعض الأفلام تحتاج إلى أعداد كبيرة من المشاهد التي تتطلب التركيب، وقد كان تصميم جهاز يحول المشاهد المتحركة إلى اشارات الكترونية ومشابهة لإشارات الفيديو ثم يعالجها بالكومبيوتر وتقطيعها على فيلم جديد بصورة سريعة ورخيصة وبمرونة اكبر بكثير من السابق كان هذا التصميم مجرد تصميم بسيط وبإمكانيات صغيرة.
حالياً قطعت عملية التركيب أشواطاً بعيدة بواسطة التقنيات الحديثة والمتجددة في الكومبيوتر، حيث تتم المشاهد المختلفة لتبدو كأنها مركبة وبتوزيع ضوئي جيد.
وحسب ما تشير إليه مواقع متخصصة عالمية في هذا المجال تكون التجزئة هي تقسيم الصور المتحركة الحية إلى عينات مستقلة ويعطى لكل عينة رمز خاص في ذاكرة الكومبيوتر يعبر عن كامل مواصفاتها وأثناء عملية الخزن لهذه الرموز يقوم الكومبيوتر بتنفيذ الأوامر الخاصة بالتركيب مباشرة.
ولعمل الخلفية بالشاشة الزرقاء فإن الكومبيوتر يقوم بفحص كل عينة واتخاذ اللون الأزرق الحقيقي فيها كمفتاح لوني، وأينما وجد هذا اللون يتم استبدال عينة من الخلفية الجديدة التي أدخلت.
كل هذه الإجراءات تتم بصورة شفرات رقمية وبعد انتهاء التركيب الرقمي تحول المشاهد إلى ضوء ثانية باستخدام انبوبة شعاعية حساسة، حيث توزع المشاهد المركبة على فيلم خام جديد، فيما يخص النوعية الناتجة فإن صوراً تقترب من الصور الأصلية بشكل مثالي تم الحصول عليها بهذه الطريقة.
أما السرعة فهي بحق شيء رائع ليس يعني أن الماكينة تعمل بصورة سريعة فحسب بل إن العملية كلها اصبحت تعني إعادة عرض المشاهد المركبة على شاشة فيديو للتأكد من أن كل شيء يبدو صحيحاً.
في الفترة الأخيرة تمت عمليات تطوير التركيب الإلكتروني للأفلام باستخدام إبرة تسجيل تدار يدوياً على لوحة معلومات، حيث يتمكن الشخص من تغيير مشهد معين بأخذ لون العينة المجاورة، ويطلى به المشهد المراد وبإضافة برامج أكثر تعقيداً إلى التحسينات التي تتم على شريط الفيلم نفسه بعد انتهاء عملية التركيب، وهي تتضمن متابعة التشوش الذي قد حصل واظهار الخدوش الصغيرة في الفيلم أو البقع التي تصلح بملحق مع الجهاز يقوم بترقيعها بالاستفادة من المشاهد المتاخمة لها الحصول على نفس الألوان، كما أن الصور التي قد تخرج عن البؤرة تشحذ بعد التركيب ويعاد تصحيح بؤرتها مرة أخرى.
لقد اصبح تركيب مشهد واحد لا يحتاج لأكثر من ست ثوان للصورة الواحدة وبشكل متقن، في حين أن الأمر كان يستغرق عدة أسابيع بالأساليب القديمة، كما أن حرية اختيار المشاهد باتت في السنوات الأخيرة أكثر إبداعاً ومجالاً للابتكار وتقديم كل جديد في مجالات الخدع وعمليات التركيب والمونتاج الذي بات ينافس نفسه يومياً، ولنا في الافلام العظيمة التي أبدع فيها العديد من المخرجين العالميين مثال حي لما وصلت اليه فنون السينما من تطور مدهش.