نجيب الخنيزي
زرت الولايات المتحدة مرتين في غضون السنوات الأربع الماضية، المرة الأولى في شهر أبريل عام 2012 لحضور حفل تخرج ابنتي سارة من إحدى جامعاتها بولاية ميشغان، والمرة الثانية في شهر أغسطس الماضي للاطمئنان على صحة حفيدتي الغالية لين التي تتلقى العلاج في مدينة هيوستن بولاية تكساس. الزيارة السابقة صادفت السنة الأولى للدورة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، غير أني لم أتطرق في كتاباتي آنذاك إلى الوضع الأمريكي انطلاقًا من المثل القائل «الكتاب يقرأ من عنوانه» فما كتبته سابقًا عن المسار المتعرج والمتناقض لأوباما وإدارته الديمقراطية وخصوصًا على صعيد السياسة الخارجية في دورته الرئاسية الأولى يشيء بما سيحصل في دورته الرئاسية الثانية، كما أن الوقت القصير الذي قضيته لم يتح لي المجال عن كثب للتعرف على الحياة الأمريكية، إيجابياتها وسلبياتها في الآن معًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأحداث والتطورات المتلاحقة والمتسارعة التي شهدتها المنطقة العربية منذ بداية عام 2011 فيما سمى غربيًا «الربيع العربي» كانت تطغى على الساحتين الدولية والإقليمية آنذاك.
غير أن زيارتي الأخيرة التي استمرت أكثر من شهر كانت في ظروف مغايرة، حيث جاءت وسط متغيرات دولية وإقليمية وعربية غير مسبوقة في وجهتها وفي مدى خطورتها، وانعطاسات ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تعد القوة العظمى الأولى المؤثرة في المشهد العالمي وعلى المستويات الاقتصادية والسياسية وقبل كل شيء على المستوى العسكري، كما تزامنت زيارتي مع العد العكسي لنهاية الفترة الرئاسية للرئيس أوباما، واحتدام المنافسة الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين للفوز في مهرجان (كرنفال) الانتخابات الرئاسية (وأصر هنا على وصفها بالمهرجان وسأتحدث عن ذلك لاحقًا) المقرر إجرائها في شهر نوفمبر القادم، التي ستحسم فوز أحد المرشحين هيلاري كلينتون الديمقراطية أو دونالد ترامب الجمهوري، كما تصادف وجودي مع إقرار الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب أو قانون «جاستا» ناقضًا بذلك الفيتو الرئاسي للرئيس الأمريكي أوباما، وعلى الرغم من الانعطاسات السلبية والخطيرة لذلك القانون التي ستطال مبدأ السيادة للدول في العالم ككل، قبل أن تطال دولة أو جهة بعينها.
وفقًا لعلم الاجتماع السياسي، فإن السياسة الخارجية لأية دولة هي انعطاسًا وامتدادًا للسياسة الداخلية، وبالتالي نحتاج لفهم النسق السياسي العام بما في ذلك السياسة الخارجية لأية دولة يتعين رصد وتحليل الأنساق الاقتصادية والاجتماعية والأيدلوجية السائدة في البلد المعنى.
ضمن الفترة الزمنية المحدودة التي قضيتها حاولت مراقبة ورصد واقع الشعب الأمريكي، وطبيعة التناقضات الاجتماعية والاقتصادية التي تكتنفه، وماهية القوى والجماعات (اللوبيات) المسيطرة والمؤثرة في المشهد الأمريكية، بعيدًا عن التصور النمطي عن الازدهار والحلم الأمريكي وقيم الديمقراطية والحرية والمجتمع المدني السائدة.
أحد الأصدقاء وهذا (لسان الكثير) طرح التساؤل التالي: هل يحق لأحد أن ينتقد الولايات المتحدة ليل نهار، وهو يذهب لزيارتها في إجازاته، ويرسل أولاده للتعلم في جامعاتها الراقية، ويذهب للعلاج في مشافيها المتطورة، ويستخدم ويستهلك منتجاتها الصناعية والتكنولوجية والعلمية والمعرفية المتقدمة، بل وغاية الحلم أن يحصل على جنسيتها؟
أجبته، ببساطة أنا اتفق معك في كل ذلك وأزيد، ولكن يتعين التفريق هنا بين الشعب الأمريكي أو غالبيته الذي وجد فيه الكثير من الصفات والسمات الإيجابية والمتميزة على جميع المستويات والأصعدة، وما بين مواقف وسياسات وممارسات حكوماته (ديمقراطية وجمهورية) المتعاقبة، ودور القوى ومراكز الضغط «اللوبيات» وتأثير المجمع الصناعي - العسكري، في صياغة أنساق القوة والسيطرة والهيمنة الأمريكية على المستوى العالمي ومن بينها منطقتنا العربية.
للحديث صلة