د.ثريا العريض
دخلنا العام الهجري الجديد 1438.. ولعل عام 1437 الذي ودعناه قبل أيام آخر عام استخدم فيه التقويم الهجري رسمياً, مع العلم أننا آخر من ظل يستخدمه وعانينا ازدواجية الحسابات وصعوبة التعامل مع بقية أنحاء العالم في تصريف الأمور والحسابات وجداول العمل.
بعد نهاية العام سيبدأ التعامل بالتقويم الميلادي في كل التعاملات الرسمية بما في ذلك موعد الرواتب.. والأمر لا يبسط فقط إلى تهمة اتباع ما يمارسه الآخرون في العالم؛ بل هو فعل تخطيطي مطلوب لتسهيل التعاملات المتكررة كل عام.. وهي حكمة سبقنا بها أسلافنا الذين خططوا مواسم حياتهم حسب تكرر المواسم.
تذكرت هذا أمس حيث كان زميل لنا في مجموعة واتسآب خليجية, لا يزال يمارس تربية النياق كهواية وتجارة, يشكو لنا معاناته تعسر ولادة ناقة مفضلة. فعلاً الدواب المدجنة والحيوانات البرية لا تزال على تتعامل مع الطبيعة فطرياً، وتحدد مواسم تفاعلاتها بالمواسم الطبيعية.. ومثلها يفعل الصيادون والمزارعون وأجدادنا التجار أيام القوافل والرحلات التجارية الموسمية.
سنحتاج فترة بسيطة لاعتياد الرجوع إلى مرجعية سنة شمسية ثابتة المواعيد تبنى عليها التعاملات الاقتصادية والمحاسبة المالية.. ولن يكون ذلك صعباً.
أتذكر من حوارات مع فلكيين مختصين ما أكدوه لي أن المواسم الدينية المرتبطة حالياً بالسنة الهجرية كانت ترتبط بمواسم السنة الشمسية وليس الشهور القمرية المتنقلة كما هي الآن.. ما يعني أن المواسم الدينية تحولت عن مواعيدها الأصلية تاريخيا بتحول المسلمين، ربما بلبس ما, من اعتماد الأشهر الشمسية الثابتة سنويا إلى اعتماد أشهر قمرية متحركة.
وتأكيداً لما حدث في زمن ما, لو نظرنا لأسماء الأشهر القمرية لوجدناها مستقاة من مواسم تشي بالثبوت والتكرار.. حيث كان رمضان أصلاً يأتي في فصل الصيف والرمض يعني شدة العطش, وشوال يأتي وقت شولة النياق بأذنابها في موسم التزاوج، وذو القعدة وقت قعود الناس عن السفر بسبب حمل إناث الدواب, وذو الحجة موسم الحج بعد برودة الطقس, ومحرم وقت تحريم الصيد والحروب لكونه موسم الولادات بين الدواب, وصفر وقت تصفر الأرض من النبات قبل الربيع.
كان حساب نتائج العام الزراعي والبيطري محسوباً بدقة، حيث يأتي آخر شهر ميلادي في بداية الشتاء بعد جني آخر غلة وانتهاء موسم التجارة الموسمية. ولذلك ارتبط تاريخياً بتدقيق الموازنة وتخطيط الميزانية المعتمدة للسنة القادمة بتكرر مواسمها.
لعلنا الآن -وقد حسبنا غلة هذا العام من ريع النفط- أقدر على وضع حساب عقلاني اقتصادياً لميزانية العام القادم 2017, يعود به موسم اقتصادنا للتوازن شمولياً. كل عام ومواسمنا بخير.