مها محمد الشريف
يتسم عصرنا بمفارقة عجيبة تتمثل في تزايد وسائل الإعلام المحلية التي تبث قنواتها الفضائية؛ الآراء الجديدة والمتباينة ولا يسمعها سوى محيطها الخليجي أو العربي الضيق، في حين أن الإعلام العالمي تجاوز نقل الأخبار إلى التنبؤ بمسارات الأحداث عطفًا على حركة الدوران التي لا تتوقف حول الأرض من المستجدات.
لا نستطيع أن نحمّل الإعلام العربي مسؤولية الفشل الذريع وعدم القدرة على التأثير في الأقطار الأخرى، إِذ إن هناك عددًا من العوامل المتداخلة التي أضعفت المنابر الإعلامية العربية ومنها نفوذ اللغة، وقدرتها على التمدد ونشرها أعلى مساحات جغرافية شاسعة، وهذا ما لم تستطع اللغة العربية تحقيقه؛ لضعف الدول الناطقة بها، إِذ إن نفوذ اللغة عادة يتطلب سلطة وقوة الدول الناطقة بها، كما هو الحال مع اللغة الإنجليزية التي استطاعت أمريكا وبريطانيا تحديدًا بسط نفوذها لتصبح اللغة العالمية الأولى، ويعود ذلك إلى هيمنتهما الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن التوسع في القوة الاستعمارية البريطانية التي بلغت أوجها مع نهاية القرن التاسع عشر واستطاعت أن تكرّس اللغة الإنجليزية في مناطق الاستعمار، لتمنح الإعلام الناطق بالإنجليزية تأثيرًا قويًا وانتشارًا أوسع، إِذ ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن 57 في المائة من صحف العالم تصدر في دول باللغة الإنجليزية.
ليس بالضرورة أن يصنع النفوذ السياسي والعسكري إعلامًا قويًا، ولو أخذنا روسيا وألمانيا كأنموذجين لوجدنا أنهما تمتلكان القوة العسكرية والاقتصادية لكنهما فشلتا في بسط نفوذهما اللغوي خارج حدودهما، إِذ يتطلب ذلك خططًا مدروسة وبرامج طموحة، كما أن الإعلام القوي يكمن حاليًا في التكوين العملي والتقني ويقاس بمستوى تقدم المجتمع وتطور الصناعة والأدوات وحركة التطور، لذا فإن الإعلام في دول الخليج يؤكد الحاجة الملحة للبعدين النظري والعملي عطفًا على التكنولوجيات الرقمية الجديدة التي غيَّرت دور الإعلاميين وصناعة الإعلام.
لا بد أن يبحث الإعلام عن استراتيجيات حديثة في ظل الفضاء الإلكتروني الجديد وما طرأ في الحضارة المعاصرة من تقلبات سياسية قدمت الدول حسب لغتها الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في العالم التي تحكمها شبكة الإنترنت، والتليفونات المحمولة، إِذ منحتها قوة أعظم للتأثير وتكوين غايتها وإنتاج الأخبار وتأسيس قدرات الإنسان وإمكاناته في الحصول على المعلومات، كما أن الصحافة فقدت احتكارها لإنتاج الأخبار، ومن هنا لا بد أن يرسم الإعلام الخليجي لنفسة مسارًا مختلفًا يحاول من خلاله أن يستثمر وسائل الاتصال الجماهيرية التي تجعل ما هو سطحي يبدو الأشد بريقًا كما أشار «غي أرنست ديبور» الشاعر والكاتب السينمائي الفرنسي في بعض نصوصه السينمائية.