د. عبد الله المعيلي
في كل عام، ومع بدء موسم الأمطار، تبتهج الناس وتفرح بقدوم موسم الكل يتشوق إليه ويفرح به، ولكن مما يحول الابتهاج والشوق والاستبشار إلى ألم وخوف تلك العناوين التي تتصدر الصحف، العنوان الرئيس الذي صار مألوفًا متواترًا في جل مدن المملكة ومحافظاتها، «الأمطار تكشف عن سوء البنية التحتية»، هذا العنوان يتصدر الصحف كلما هطلت أمطار في جدة ومكة المكرمة والرياض والخرج وبريدة ونجران وكل مدينة في المملكة ينعم الله عليها بهطول أمطار حسب المعدل الطبيعي، هذا فضلاً عن المعدلات التي تعد أكبر من المعدلات الطبيعية.
في كل مدينة تغرق بسبب سوء البنية التحتية، يتساءل المواطنون عامة وذاك الذي تلحق به أضرار مادية ونفسية، أين مكمن السوء؟ ما أسبابه؟ هل هو بسبب نقص في مشروعات البنى التحتية؟ أم بسبب سوء التنفيذ؟ أم في غفلة المراقبة؟ وبالتالي المساءلة والمحاسبة؟ الذي يجعل الحليم حيران هو في تلك البنى التي نفذت، ظاهريًا وفي مسوغات صرف الاستحقاقات المالية لمقاول التنفيذ تبدو الأمور ممتازة كاملة وبأعلى درجات الالتزام بضوابط وشروط ومعايير الترسية، لكن الواقع مخالف تمامًا لما تضمنته تقارير مسوغات الصرف التي بموجبها يتم الصرف للمقاول باعتباره أنجز المهمة كاملة، بينما التقارير في الحقيقة لا تطابق الواقع ولا تصدق في وصفه، بل هي تقارير زور وكذب تخدم المقاول على حساب المواطن الذي يدفع الثمن غاليًا من الألم والخسائر المادية.
أمام هذا الواقع المؤلم المؤسف، تتبادر جملة من التساؤلات البدهية، من المسؤول عن سوء التنفيذ الذي أضحى ظاهرة؟ هل هو خلل ونقص في المواصفات والشروط؟ أم في المقاول المنفذ؟ هل هو من أعد تقارير الإنجاز؟ هل هو قائد الجهاز في القطاع الحكومي الذي اعتمد المواصفات وطرح المناقصات وبالتالي يجب عليه أن يتحرى عن مصداقية التنفيذ أولاً بأول وخصوصًا قبل اعتماد أوامر الصرف؟ هل السبب غيبة المساءلة والمعاقبة؟ أم كل الأطراف المشار إليها مسؤولة؟
من البدهي أن القاسم المشترك بين كل الأطراف المذكورة تتمثل في غيبة الضمير بل موته، وغيبة الخوف من الله وخشيته، مما جعل بعض المسؤولين يقدم مصالحه الذاتية على المصالح المجتمعية التي كلف لخدمتها وتنفيذ المهمات بما يحقق وييسر سبل حياتها، وإشعارها بالأمن النفسي، والرضا عن الدولة وإنفاقها من الميزانية على المشروعات ذات النفع العام.
إن الحالة الملازمة في تنفيذ المشروعات والبرامج جعل الناس في حالة تذمر وريبة من عدم محاسبة المسؤولين عن سوء التنفيذ أو تأخيره ومعاقبتهم وفي بعض الحالات ينبغي التشهير بهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، وبهذا تقطع يد ذوي المصالح الخاصة، أو النائمين عن سلامة تنفيذ المشروعات التي يعمد المقاولون لتنفيذها.
أذكر أننا في الإدارة العامة للتعليم بالرياض عمدنا مقاولاً لإنجاز بناء مدرسة في أكثر أحياء الرياض كثافة سكانية، وكانت مدة العقد سنتين، مرت السنتان ومازال المقاول لم ينته من صب (الميدة)، سحبنا المشروع من المقاول، وأوقفت الرجل الثاني في الوزارة على المشروع ليرى بأم عينه صحة الإجراء، وبعد مدة فوجئت بنقل مدير المشروعات بالإدارة إلى الوزارة، ليتسنى إعطاء المقاول مدة إضافية، ولم ينجز المشروع إلا بعد سنتين من التمديد؟
المخلص يعاقب، والمتلاعب بالنظام يتبجح، المؤسف أنه لم يتخذ أي إجراء عقابي نظامي للذي تجاوز النظام!