عبده الأسمري
الرواية وحدها فن ادبي وثقافي يقترب كثيراً من العلم ويتقارب أكثر مع الابتكار المقترن بالواقعية كثيرا.. في الروايات الابداعية العالمية تحضر الفلسفة كفصل خامس إجباري بين فصول أربعة تشكل الرواية وهي الشخصية والنص والفكرة والهدف.
امتلأت معارض الرياض وجدة بمئات الروايات سبعة الأعوام الأخيرة.. حضور باهت للرواية بسبب ارتفاع عدد المعروض مقارنة بالجودة المفترضة ومقارنة بابداعات رجا الصانع ويوسف المحيميد وعبده خال وسعد الدوسري.. في روايات بنات الرياض والحمام لا يطير في بريدة وفسوق والرياض نوفمبر 90وقبلها روايات الدكاترة «غازي القصيبي» شقة الحرية والجنية وغيرها.
حاول ابراهيم عباس ان يجدد ثوب الرواية برواية «حوجن» التي صدرت 2013 وسرد الرواية بشكل متجدد حيث كانت تدور بين حب جني لانسية وتناول قضايا السحر والشعوذة.
الرواية لدينا في شكلها الابداعي خرجت من رحم «الحذر» لتواجه ولادة متعسرة لتتربى في احضان «المنع» و«النقد» و«الرقابة» و«سوء الظنون» و«التكفير» و«الغيبة والنميمة»
وهنالك روايات أجهضت في مهدها بأيدي مبتكريها خوفا من لسان «المعيب» وأخرى لا تزال في العقول تنتظر مساحة من «الانفتاح» و«الارتياح» حتى تخرج للضوء من ظلام الفكر وغياهب «السب» واعتاب الشتم الذي يطلق بمجرد حضور الاسم للروائي وخروج العنوان ليظل تحت طائلة المحرم والممنوع والمؤدلج ..يبقى النص غائبا في حضرة النقد لأنه لا يقرأ من قبل اصحاب (الأحكام الجاهزة) في حين انه الروائي الحصيف لا يتضايق من النقد الموضوعي الذي يجعل الرواية في اطار «الجدل المقبول» و«العدل الغائب» لكنها تبقى مسألة «انتقاد للنص» من جهة وتظل في اطار راي خبراء ومثقفين بعيدا عن «مشرعين للرأي الجاهز» دون التفريق بين القصة والرواية وبين الشخصية الخيالية الإسقاطية والشخصية المبرمجة الواقعية.
مئات الروايات امطرت معارض الكتاب ولا تزال تزاحم «أمهات الكتب» ومؤلفات ذات جودة في أرفف المكتبات ..اتجاهاتها اختلفت فالبعض ركز على اسم الرواية، بينما كانت كنص «جوفاء» دون شهية أدبية وأخرى خاوية على حروفها ليس فيها مسارات ثقافة او عمق فلسلفة مجتمعية تستحق التأمل والبحث ونوع أخير استلهم الأفكار الباهتة من السينما والأعمال الفنية، وحتى «سوالف المجالس الشعبية» لينثرها رواية مكتوبة ويزين غلافها بريشة فنان اجاد رواية «الرسم» بينما أخفق الروائي في خط اهداف روايته.
في الثلاثة أعوام الاخيرة اذا استثنينا روايتين او ثلاثاً كانت حاضرة ناضرة في المشهد العالمي بجوائز، فإن ما تبقى يتأرجح بين الجيد والمقبول، ولكن العدد المهول من الروايات أدخلنا إلى «حيز» الضعف كثيرا مقارنة بالمنتج المجود ..انتقاد الرواية وفق رأي المتلقي اكثر من المتخصص اعتقاد تغلب عليه الذاتية كثيرا ولكني اتمنى ان تعقد ورش عمل ولقاءات وتجمعات ولجان متخصصة في المناطق او على مستوى وطني تشكل وتكون تحت اشراف وزارة الثقافة والاعلام للاعتناء بفن يعد من اهم فنون الأدب واسمى متون الثقافة واجمل جنون القلم وينبثق منها لجان تحكيم ونقد فعلي لما يحدث لان هذه الكثرة والغزارة في الانتاج الغير معتمد على مضمون ومعالجة روائية حقيقية يضر بالمشهد الثقافي فيما يخص الرواية التي كانت وستظل الابنة البارة للأدب، ولكنها وأدت كثيرا بمجرد «غياب التخصص» و«تغيب النقد» نحتاج ان تلقى الرواية «احتفاء» كما يحتفى بالشعر لا ان تتعرض للاختفاء وسط انتاج خصب بالورق والاغلفة والرسومات والمقدمات بعيدا عن الابداع والبراعه لان الرواية «فن انيق» و«فلسلفة ادبية» لا يليق بها الا التميز وتشكل الاجتهادات فيها سقطات تلغي روحها وتميت نصوصها وتجهض حلم المتذوق.