محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت به قبل أن أراه مشاركاً في كثير من المؤتمرات الثقافية وبالذات ما يتعلق باللغة العربية والتربية، وكان يتمتع بروح رياضية مرحة رغم إعاقته البدنية وحركته البطيئة واستعانته بعكازين يسندانه عند الوقوف أو المشي.. قابلته مؤخراً وقضيت معه ليلة كاملة في منزله بمدينة جيزان وطال الحديث وتشعب وهو يروي سيرته الذاتية والمحطات المهمة التي تعرض لها وبالذات إصابته - كما يقول بالعين - لنشاطه وحيويته بين الطفولة والشباب وهو طالب في المرحلة الابتدائية. إذ تعطل نصف جسمه الأسفل بما يشبه الشلل وأصبحت أقدامه لا تساعده على المشي.. فقررت وزارة الصحة إرساله لمستشفى رياض الصلح ببيروت للعلاج حدود عام 1382هـ والذي بقي به قرابة السنة، وحدث أن توفي أحد زعماء الطوائف بالمستشفى مما عرض المستشفى لهجوم انتقامي من أعوانه، عرضه للضرب مع غيره وضاعف ما كان يعانيه في السابق.. وكان يشكو الوحدة وعدم الاهتمام من مسؤولي السفارة السعودية بلبنان فما كان منه إلا أن كتب للملك فيصل شارحاً وضعه وكان لوالدته أيضاً دور في الكتابة للملك. فبدأ السفير يزوره.. وبعد أن أوشك على الشفاء عاد ليواصل دراسته بالمملكة متخطياً زملاءه إذ كان يقفز مرحلتين في السنة الواحدة.. ولكن شقاوة الشباب والمراهقة لا تفارقه فأخذ يستخدم دراجة نارية ويستعرض بها أمام زملائه مما عرضه للسقوط مما أعاد إصابته مرة أخرى. فأُعيد لمستشفى بيروت فأصبح يدرس صباحاً في مدارس المقاصد الخيرية الإسلامية التي يديرها صائب سلام وإخوته ويعود للمستشفى بقية نهاره وليله. وبعد عدة أشهر عاد لجازان ليلتحق بالمعهد العلمي بمدينة جيزان، وعندما علموا أنه كان يدرس بلبنان ضمن المقررات الموسيقى وأنه كان يعزف على آلة العود قرروا استتابته، فكتبوا للقاضي بذلك.. وكان دخوله المحكمة الشرعية قرب صلاة الظهر، وقد أداها مع القاضي ومسؤولي المحكمة، وبعد الصلاة بدأ القاضي تلقينه الشهادة فاعترض قائلاً: ألم ترني أُصلي معكم؟ ما معنى هذا؟ ألم أكن مسلماً؟ فرد القاضي عليه: إن هذا الشيء روتيني وحتى نرضي من أرسلوك..
كان لسفره الأخير للبنان دور مهم في رفع مستوى وعيه ونمو ثقافته إذ تعرف على عدد من أدبائها مثل: بشارة الخوري ومارون عبود وسعيد عقل وميخائيل نعيمة. وحضوره حفلاً غنائياً لأم كلثوم في بعلبك ويذكر أنها غنت (يا ظالمني). وحفلة أخرى لمحمد عبد الوهاب.
وحضر المنتديات واطلع على ما كان يصدر من دوريات وكتب أثّرت عليه..
وعند قيام الحرب الأهلية في لبنان انتقل ليكمل علاجه بالقاهرة، حيث واصل متابعاته الثقافية مقترناً بانبهاره بالواقع الثقافي في لبنان ومصر.
وفي مصر قابل طه حسين وأنيس منصور وكمال الملاخ وكمال بشر الذي استمرت علاقته به حتى ضمه لجمع اللغة العربية.
عاد ليواصل دراسته في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ليحصل على البكالوريوس في اللغة العربية عام 1394 - 1395هـ، التحق بعدها بجامعة الملك عبد العزيز بجدة لإكمال الدراسات العليا، وحصل على الدبلوم العالي تخصص وثائق تاريخية ومكتبات عام 1397 - 1398هـ وكان أثناءها يعمل بالتدريس بجدة وجازان والتي أمضى بها قرابة 30 عاماً، وإضافة لهذا كان مستشاراً ثقافياً لمجلة نادي جازان الأدبي (أصوات) لمدة عشر سنوات 17 - 1427هـ، وقد كلفه أمير جازان محمد بن ناصر بن عبد العزيز أميناً لموسوعة الأمير التاريخية لمنطقة جازان سنتين 26 - 1427هـ، إضافة لعضويته لمجلس إدارة نادي جازان الأدبي من سنة 1400 وحتى 1427هـ، وعضو ومستشار ثقافي بجمعية الثقافة والفنون بجازان من سنة 1423هـ إلى سنة 1430هـ، وشارك لفترة برابطة الأدب الإسلامي العالمية بالمكتب الإقليمي بالرياض، وهو عضو بمجلس إدارة جمعية (لسان العرب) في جامعة الدول العربية بالقاهرة من سنة 2005م وعضو بجمعية حماة اللغة العربية بالقاهرة من سنة 2005م إلى الآن، وشارك بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وعضو بمجلس مدينة الثقافة والعلوم للترجمة بجامعة 6 أكتوبر بالقاهرة وعضو بجمعية تراث الشيخ ابن عربي بدمشق وعضو بمجمع اللغة العربية بالقاهرة(1).
قضيت معه أكثر من أربع ساعات وهو على فراشه لا يظهر إلا نصفه الأعلى وهو مستمر بالحديث يروي قصته من خلال مجتمعه بأسلوب فلسفي تقويمي ناقد.. وتعارض بعض التقليديين معه واستنكارهم لأفكاره، لم يتناول خلال لقائي به شاياً ولا قهوة اللهم إلا جرعة من ماء، وتحيط بفراشه الكتب والبحوث المرسلة له لإعطاء رأيه بها، منها رسالة دكتوراه وصلته في ذات اليوم (نجران: جدلية المكان والشخوص.. دراسة أنثربولوجية)، في الساعة الأخيرة من اللقاء استأذن مني ليدخن. وكدت أوقف التصوير والتسجيل ولكن الوقت متأخر فسمحت له بذلك، ولكنه استمر يوقد سيجارة جديدة من سابقتها فندمت لأنني تضايقت من كثافة الدخان، ولكن سحر حديثه ولطفه جعلاني لا أفكر بما قد يضرني - لمعاناتي من الربو - عرفت منه ومما سجله الصديق تلميذه نايف كريري في بحثه المقدم إلى ندوة الأدب السعودي والتراث الشعبي الوطني، بكرسي الأدب السعودي بجامعة الملك سعود بالرياض عام 1436هـ تحت عنوان: (جهود الأديب عبد الرحمن الرفاعي في تدوين الأدب الشعبي بجازان) قراءة في المنجز البحثي والكتابي، فمن هو عبد الرحمن الرفاعي:
ولد عبد الرحمن محمد بن يحيى الرفاعي في سنة 1371هـ/ 1952م في مدينة أبي عريش بمنطقة جازان ونشأ وترعرع في مدينة جيزان، ومنها بدأ مشواره التعليمي الحافل بالعطاء، فدرس بها المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهو أديب وناقد ومؤلف وباحث ومحاضر في مختلف المحافل الثقافية موضوعات اللغة العربية والتربية والتاريخ، وخصوصاً التاريخ اللغوي في المؤتمرات المتخصصة داخل المملكة وخارجها(2).