نادية السالمي
الأم والوطن رمزان تتقاطع بينهما جوانب الحياة والموت.. والوطن يؤدي مهامه بصمت منقطع النظير، فلا تظن أنه لا يبالي ولا يتوجّع فهذا ينافي الحقيقة، الوطن يشعر بنا وكلما ضيّقناه اتسع لنا. وأقل مايقدمه لنا الوطن أن ظهره يُقلّنا عند اقبالنا على الدنيا، وبطنه يحتوينا عند إدبارنا عن الدنيا.
وقد قُدر للأوطان أن تُكمل مسيرتها بنا وبدوننا فعجلة الوطن لا تتوقف ولا تتأخر من أجل الشخوص، وتأريخ الأوطان يشهد بهذا في كل بقاع الأرض ..يغيب شخصٌ فيحل محلّه شخصٌ آخر، وهذه الديمومة من عظمة الأوطان. كل هذا الفضل والاحتواء كان سببًا فيما يعرف بالقصيدة الوطنيّة التي مهمّتها مواكبة أحداث الوطن، والنهوض بالهمم، ودفع حركة التقدم ومحاربة التخلّف الاجتماعي ،وقطع الأيادي التي تمتد لتفرّق او تُغرق الوطن، لذلك كانت وظيفة شاعر الوطن ليست بالسهلة لا عليه ولا على القصيدة الوطنية فهما في موقع الدفاع والهجوم في ذات الوقت متى تطلّب الأمر.
والمتتبّع للقصائد الوطنيّة لا يساوره الشك في أن الوطن يغيب وتتحوّل القصيدة في مجملها إلى قصيدة مدحٍ تمجّد الشخوص وتعدد مناقبهم، ولا حرج من هذا فرجالات الوطن كوادر تحميه وأركانٌ يستقر عليها أمر الوطن، ولكن للوطن حق لماذا يتغاضى الشاعر عنه ويحوّل مسار القصيدة الوطنيّة إلى قصيدة مدح الشخوص؟.
إذا بحثت عن مكانة الوطنية في صدور هذه القصائد فغالبا ستجدها مغمورة ولا تكاد تلفظ أنفاسها فهي بين سعة المدح وضيق الشرح، وهذا يدفعني للتساؤل الآتي: الشاعر ألّا يعرف كيف يفصل بين الوطن والرموز الوطنيّة ؟.
مثلا قصائد «خلف بن هذال» قصائد مدح في غالبها وليست وطنية، وبناءً على هذا هو شاعر الملوك كما يُسمّى وليس شاعر الوطن.
معنى القصيدة الوطنية أدركها مصطفى بليلة، وعلي صقيل، وبدر بن عبدالمحسن في»هام السحب»، وغيرهم ممن غاب عن أسماءهم الضوء وبقيت قصائدهم مسوّرة بضوء لا يخبو. والمتابع للشعر العامي والفصيح يعرف أن أغلب القصائد العامية تنسى الوطن وتركز على مدح رجال الوطن، وهذا يحدث في الشعر الفصيح لكن بشكل أقل ربما عن إدراك وربما لقلة الخوض في هذا الموضوع مقارنة بالعامي!.
باختصار يُلغي كل امتداد للكلام: الوطن مجموعة من الذرات المدفونة فينا، والوطنيّة هي القصيدة التي يجب أن يكتبها كل مواطن بالأفعال.
كل عام وأنت الخير للدنيا يا وطني