في أحدية المبارك الثقافية أبحر د. إبراهيم الشمسان (أبو أوس) في أسماء الأعلام وعالمها وشق دروباً لم نعهدها عن هذا العلم وسبر أغوار عالم مدهش, وفي ختام الأمسية كانت جل المداخلات عن أهمية اسم المكان في علم الجغرافيا, وكما هو معروف أن الأماكن والمواضع ذكرت في القرآن والسنة والأدب العربي, وعليه فإن فهم النصوص متوقف على فهم اللغة العربية، وفهمها لا يتم إلا بمعرفة تلك المواضع معرفة تامة وحسب القاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) من هنا تبرز أهمية أسماء الأماكن والمواضع بل حكم الوجوب لها على مبدأ الفقهاء. انهالت الأسئلة في مخيلتي من الأحق بالاسم، قدم الاسم أم ملاءمته للمكان؟ وهل يملك جيل حق الاسم والاستئثار به دون جيل لاحق؟ فللخليج العربي مثلاً من الأسماء ما الله بها عليم، حتى إن حضارات عدة تسابقت على توزيع الأسماء عليه، إلا أن تعدد الأسماء ليس حكراً على مسميات البحار فأكبر بحار الجزيرة العربية, بحر من الرمال أو ما اتفق على مسماه الربع الخالي فهو مثال صارخ على هذه الظاهرة من تغيير الأسماء فمسمى الربع الخالي اختلف في أصله هل هو اسم عربي قديم أم أنه مسمى حديث نسبياً ابتدعه الرحالة الغربيون فعم الاسم وشاع وإن كان اسماً خالياً من التعبير وحل مكان اسم أجمل وأكثر تعبيراً ألا وهو مسمى الرمال العربية, فلعله من عجائب الصدف أن عربنا بحارنا وعجمنا رمالنا ولا ينتهي مسلسل تغيير الأسماء ولكن على نطاق جغرافي آخر وركن من أركان جغرافية جزيرتنا العربية ألا وهي أسماء الأماكن فرغم ارتباط المكان ومسماه بالتاريخ إلا أنه تبدل وتغير على مر الزمان وضاع الاسم في ذاكرة النسيان وحذف من مدونات تاريخ هذه الأماكن فطواها النسيان والضياع، فبذلت جهود البحاثة والبلدانيين ليتطابق اسم المكان على وصف الأثر الجغرافي لتحقيق ذلك الموضع. وهل أدل من اسم اليمامة! فهو تاريخ مشع ومجد تليد ضاع في غياهب الزمان, فاليمامة تارة هي الخرج وبلدانها، وتارة أخرى هي الرياض وحواضرها، وثالثة هي منطقة كاملة، فمع ضياع الاسم ضاع المكان وفقد مدلوله التاريخي، وأصبح على علماء الآثار البحث والتنقيب لإثبات المعلوم رغم أن الأساس في العلم وركازه هو بحث عن مجهول!. وقد يقول قائل أنه التاريخ وعلومه فهذا ديدنه وتلك مسلماته.
الاسم ليس مجرد تعريف بل هو عنوان اعتزاز بالمسمى, ولعل تسمية مناطق من مملكتنا الحبيبة باتجاهاتها الرئيسة كالشرق أو الشمال هو امتداد المأزق فهل يصدق أن منطقة تزخر بالتاريخ, وحاضنة لحضارات عملاقة، بل إن منطلق كثير من الهجرات السامية التي عمرت وبنت حضارات قديمة في دول عربية عديدة واسم معروف يتحول إلى مسمى الشرقية! أليس هذا نكران لتاريخ تلك الأماكن؟
إلا أن لهذه القضية بعداً زمانياً يطوي الماضي ويشرف على الحاضر وتستمر المعضلة، فجديد المسميات ليس ببعيد عن قديمها، ومن هنا يتبين الحاجة إلى دور حكومي ينسق ويضبط اختيار جديد الأسماء للأماكن, فآليات الحياة في تطور دائم وتحتاج مواكبة, وتكوين هيئة حكومية على مستوى المملكة يتفرع منها لجان تمثّل المناطق يشترط بعملها أن يتصف العمل بالجهد المؤسساتي فيكون من أعضائها الجغرافي، التاريخي، اللغوي والمهندسين والعلماء على وزن مجمعات اللغة العربية فيكون لها قواعد معلومات تنشر بشكل دوري فلا يكون تعدي على الاسم أو طمس أسماء أماكن تاريخية، أو أن يكون البديل هو الفوضى، ليت قومي يعلمون أن مجد التاريخ في أسماء هذه الأماكن والبقاع.
- د. الوليد العيدان
aleidanwa1 @