د. عبدالحق عزوزي
مأسسنا منذ ما يزيد على سنة لملتقى فكري هام، يسمّى باتحاد عاصفة الفكر، يجمع العديد من المراكز البحثية وكبار المفكرين، وكان الاجتماع الأول في مركز الإمارات للدراسات بأبوظبي، صاحب المبادرة، والاجتماع الثاني بمركز عيسى الثقافي بالبحرين، ثم الثالث عُقد منذ أيام في المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط. وموضوع هاته الدورة تناول الإستراتيجية المنشودة في أوطاننا، وهي استراتيجية تستلزم في جميع مستوياتها حساب الأهداف والمفاهيم والموارد ضمن حدود مقبولة للمخاطرة، لخلق نتائج ذات مزايا أفضل مما يمكن أن تكون عليه الأمور لو تُركت للمصادقة أو تحت أيدي أطراف أخرى... وقوى التطور هي الغالبة مادام في الإنسان حب الحياة... فالتطورات الأخيرة التي أسفرت عن تقدم داعش بطريقة خيالية في عدة دول كسوريا أو العراق، وما تبع ذلك من ضغوطات سياسية وعسكرية على كيان العديد من الدول ووحدتها الوطنية والإقليمية، وتداعياتها التدميرية المستمرة من دون انقطاع رغم تحالف دولي كبير يتعدى الأربعين دولة لمقاومته، واستنجاد دولة مثل العراق بميلشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران، وتغيير الولايات المتحدة الأمريكية لاستراتيجيتها في المنطقة، وتجسيد سياستها في التعامل مع نظام عربي إسلامي إقليمي جديد مبني على التوازن بين العرب وإيران، كل هذا وذاك أدى إلى تشكُّل وعي عروبي مشترك مبني على الثقة بالذات، وعلى استعمال كافة القوى الذاتية والمشتركة لتحقيق الأهداف المتوخاة لصون مصالحها وأمنها وحدودها، وهو ما جسّدته عاصفة الفكر بقيادة السعودية في تحالف عربي ـ إسلامي هو الأول من نوعه، لتعيد العاصفة الروح إلى الجسد العربي الهزيل والذّود عن الحياض العربية، فكانت إيران تظن أن طبولها في اليمن ستعلن سطوتها وتكمل دائرة عدوانها، فلقد سبق لها أن قرعتها في بيروت ثم بغداد ثم دمشق... وهذا يستلزم منا أيضا نحن المفكرين، عاصفة فكرية وتحالفاً فكرياً لقيادة استراتيجيات فكرية يداوي مرض العقل والواقع العربيين بوصفات استشفائية شيميوترابية لإخراج الأمة من أزماتها...
ولقد أجمعنا نحن المشاركون على أن النظام العالمي اليوم لا يسمح بارتجالية وسكون الدول العربية المحورية، ولا بالتشرذم والهوان، فالوحدة والقوة والمناعة هي القواعد الأساسية للتواجد العقلاني بين الأمم، وهي التي تجعل من التأثير الحتمي للتحولات الدولية عليها محدودة ونسبية، بل وتحملها على التأثير في النظام الدولي مبادرة وعلى الحد من تأثرها بتحولاته دفاعاً.
والوضع العربي خطير جداً، ونتذكر ما كان قد أكده جلالة الملك محمد السادس في القمة الخليجية المغربية الأولى، عندما أشار إلى أن المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا، مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي.. وعلى «مخططات مبرمجة» تستهدف الدول العربية، ومؤامرات تستهدف المساس بالأمن الجماعي لدول الخليج والمغرب والأردن، التي وصفها بأنها واحة أمن، مؤكدًا أنه «يعتبر أمن واستقرار الخليج من أمن بلاده».
ونظراً للوضعية الأمنية المتوترة التي تعيشها بعض دول المنطقة العربية، وأمام تزايد التهديدات التي تشكِّلها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على أمن واستقرار المنطقة برمتها، أكد المشاركون على ضرورة تبني مقاربة جديدة للتصدي للتهديدات الأمنية، ترتكز على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز التعاون الإقليمي على أساس مبدأ المصير المشترك، والحفاظ على الثوابت وأُسس الوحدة الترابية لكل بلد عربي، وفي هذا الصدد أكد المشاركون دعمهم لمقترح الحكم الذاتي المغربي، في إطار السيادة الوطنية، كحل واقعي للمشكل المفتعل حول قضية الصحراء المغربية؛ كما أكدوا على ضرورة إضفاء طابع الاستباقية والنظرة الشمولية على السياسات العمومية المتبعة من طرف الدول العربية والإسلامية في مجال محاربة الإرهاب والتطرف، وكذا الحرص على الترابط الفعال بين مختلف مكونات المنظومة الأمنية: الحقل الديني، المجال السوسيو - اقتصاديو وطبعاً المجال الأمني بنفسه.
واتفق المشاركون على أهمية بلورة خطاب ديني مضاد لمواجهة الخطاب الأيديولوجي الذي تتبناه التنظيمات المتطرفة، يرتكز على إشعاع ثقافة الأمل في المستقبل والتسامح والتعايش السلمي، وفقاً للتعاليم الإسلامية السمحة والقيم الإنسانية الكونية؛ ناهيك عن جعل الرأسمال البشري رافعة للتنمية على كافة المستويات، عن طريق سن سياسات مندمجة تهم الشباب، بالإضافة إلى تطوير الحكامة وتخليق الحياة العامة لتحسين شروط العيش المشترك ودعم الاستقرار والسِّلم الاجتماعي.