سعود عبدالعزيز الجنيدل
خسرت مصر، والأمة العربية والإسلامية، والإنسانية جمعاء، عالما فذا، فريدا في إنجازاته، وَذَا مكانة علمية عالمية.
لن أسرد تاريخ هذا العالم الفذ، ولن أتكلم عن كل إنجازاته، ومن أراد معرفة تاريخ هذا العالم فعليه بالرجوع لكتابيه( رحلة عبر الزمن- أو كتاب عصر العلم).
هذا المقال مجرد ومضات من زويل-رحمه الله -.
أنهى أحمد زويل البكالوريوس من جامعة الإسكندرية، وعين معيداً بعد تخرجه، بعد أن حقق المركز الأول على دفعته، كان ذلك في الستينيات من القرن العشرين، وتحديدا في سنة 1967م، ولا يخفى على أحد المرحلة الحرجة التي كانت تعيشها مصر والأمة العربية بشكل عام في تلك الحقبة.
وبعد استكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في جامعة الإسكندرية عام 1968 بدأ بجمع المعلومات عن الجامعات الأمريكية، وفي عام 1969 خاطب الجامعات الأمريكية من أجل قبوله لإكمال حلمه.
وبالفعل جاءه قبول من جامعة (بنسلفانيا في فيلادلفيا) مع إعفائه من كافة الرسوم الدراسية، إضافة إلى راتب قدره(2700 دولار سنويا)، و900 دولار منحة للأبحاث الصيفية، وهذا يدل على النظرة المستقبلية لهذه الجامعة والتنبؤ بنبوغ أحمد زويل-رحمه الله-.
حزم حقائبه مع حرمه المصون بعد نكسة 67، وبالتحديد في سنة 1969، والكل يعرف ماذا تعنيه لنا هذه النكسة، فما بالك برجل ذهب إلى أمريكا بعد تلك النكسة، والعلاقات بين مصر، وأمريكا لم تكن جيدة على الإطلاق، فتخيلوا كيف سيكون شعور مواطن مصري أصيل، إزاء هذا الأمر، حقيقة إنه أمر صعب، ومذل، لكن أحمد زويل-رحمه الله- جاء إليهم من أجل العلم، ولكي يساهم في هذا العلم، بغض النظر عن أية أمور أخرى.
وبالفعل استطاع تحطيم كل القيود، وتجاوز جميع الصعاب، والعراقيل من أجل العلم.
حصل على شهادة الدكتوراه سنة 1973م، في تخصص الكيمياء، وبعد أقل من ثلاث سنوات حصل على وظيفة في جامعة كالتك، يقول رحمه الله في أثناء بحثه عن عدد من الجامعات:» كل المقابلات جرت على خير ما يرام، وكنت سعيدا بمقابلة هؤلاء العلماء، ولكن حصل لي موقف مؤسف في جامعة برنستون، حيث كان أحد الأساتذة الذين قابلوني متحاملا وعدائياَ، ضدي، فقال لي بحق السماء عد لبلادك، فعندكم من النفط ما يكفيكم!، والحقيقة أن العالم أحمد زويل، عرف تماما أن كلام هذا الأستاذ خاطئ، بناء على أمرين:
الأول منهما: أن هذه بلاد مهاجرين، والأمر الآخر أن مصر ليست دولة نفطية، ولكن الوضع الذي كانت تعيشه أمريكا في تلك الحقبة، من نقص في البترول، بعد الحظر العربي، جعل الشعب الامريكي يعيش أزمة طاقة...
بعد التحاقه بجامعة كالتيك أراد أن يكتشف شيئا جديدا في العلم، وأن يضيف لعلم الكيمياء شيئا جديدا لم يسبق لأحد اكتشافه، وهو النظر للتفاعلات الكيميائية التي تحصل في المادة، وبعد سنوات استطاع أن يخترع ما يسمى بالفيمتوسكند، وهو مشاهدة ما يحدث للتقلبات، والتفاعلات الكيمائية التي تقع في زمن يقدر بجزء من مليون بليون من الثانية.
نال إثر جهوده الجديدة والمتميزة جوائز عالمية عديدة في رأسها جائزة نوبل في الكيمياء، عام 1999م، وبذلك تمكن من تحقيق إنجاز فريد من نوعه، فهو أول عالم مصري، عربي، إسلامي ينال جائزة نوبل في العلوم.
ومع جميع الإنجازات العلمية و العالمية التي حققها لم ينس في يوم قط بلده مصر التي لم يقطع جذوره منها، بل بالعكس تماما جاء إليها ويحمل حلما يتمثل في إنشاء مدينة علمية متخصصة في التكنولوجيا.
وقد وضع حجر الأساس لمشروعه في 2000م.
لكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح بسبب فساد النظام السابق، لكن أحمد زويل-رحمه الله- ظل متمسكا بهذا الحلم رغبة منه في إعلاء شأن مصر في العلم، وجعلها في مصاف الدول العالمية.
وفي ثورة يناير 2011م، كتب لهذا المشروع أن يرى النور، واستطاع الشعب المصري، الشعب الفتي الشجاع أن يحقق هذا الحلم للعالم أحمد زويل.
فالشعب المصري رأى في هذا العالم الأمل الذي سيعيد مصر لمكانتها الطبيعية، ويرفع اسمها عاليا في المحافل الدولية.
مصاعب، وعوائق كثيرة واجهها العالم الفذ أحمد زويل، لكنه -كما هي شخصيته- استطاع تجاوز كل العوائق، وتذليل جميع الصعاب.
ظل رحمه الله وفيا لبلده ولعروبته ولعاداته وتقاليده، فهو رحمه الله محب للفن العربي الأصيل، وخصوصا للست أم كلثوم، فهو من عشاقها، ويستمع لأغانيها، فيقول كنت دائما ما استمع لأم كلثوم حتى وأنا منهمك في العمل، والتجارب، حتى إن السكرتيرات والعاملين معه تعودوا على أغانيها، يطلبون مني ترجمة ما تقول.
وفي أثناء المقابلات التلفزيونية التي تتسابق جميع القنوات العالمية لكي تجريها معه دائما ما يقول أنا مصري، عربي، ومع نيلي الجنسية الأميركية إلا أني لم ولن أقطع أصولي، وأتخلى عن نشأتي.
وكان ينتقد أشياء كثيرة، منها: تشغيل الموسيقى الأجنبية في مصر، ويقول لدينا فن جميل، لماذا لا ندع الغرب يتعرفون على موسيقانا المصرية الجميلة.
حتى في مدينته( مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا) أصر على ضرورة تدريس الطلاب بلغتين( اللغة الإنجليزية لكونها لغة العلم، ولغة العصر،واللغة العربية لكونها mother tongue، فيجب الحفاظ عليها، فلا يقبل من طالب مصري عربي، أن يكون غير متقنا للغته الأم.
يمكن القول إن حياته رحمه الله نبراس، يجب أن نسير عليه، وقنديل أمل نرى الطريق من خلاله.
ما أحوجنا لوجودك بين ظهرانينا، لكن المولى عز وجل، كتب عليك الموت، وغادرت دنيانا بعد أن رسمت لنا الطريق، وتركت للعالم إنجازات كثيرة وفتحت لهم أبوابا جديدة في العلم.
يقول عنه المفكر عدنان إبراهيم:» العالم أحمد زويل، عالم كبير، وعقلية عظيمة، وهو أنشتاين العرب، ولو كان غربيا، أو يهوديا، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، بالحديث عنه وعن عقليته، ولكنه لأنه عربي، لم ينل حقه، حتى إن كثيرا من العرب لا يعرفه، ولا يعرف إنجازاته».
أخيرا
كم أتمنى وجود أكثر من أحمد زويل، فهؤلاء هم الذين أفتخر بهم، ولكني أدرك تماما صعوبة تحقق ذلك، فأحمد زويل لا يتكرر.