أ.د.عثمان بن صالح العامر
في مطلع شهر سبتمبر عام 2010م كنت مع صديق لي في نيويورك.. اقترح علي الزميل صبيحة يوم جميل أن نأخذ جولة سياحية «تورز tours» بالأتوبيس ذي الدورين المفتوح من أعلاه.. اشترينا التذاكر من كشك المحطة القريبة منا لجولة كاملة تستمر قرابة ثلاث ساعات.. وبعد أن أخذنا أماكننا في الدور العلوي تحدث المرشد السياحي مرحّباً بالجميع.. كان الأتوبيس يتوقف عند كل محطة مخصصة للوقوف ولدقائق معدودة.. يركب أناس وينزل آخرون، أجناس وألوان وأعمار وأشكال وجنسيات مختلفة.. وحين وصلنا للمنطقة التي فيها البرجان أبلغنا المرشد أننا سنمكث نصف ساعة هنا ثم نعود للحافلة لنواصل بقية محطات الرحلة.. نزلنا للمكان المكتظ بالسياح من كل مكان.. كان قريباً من مكان نزولنا منطقة فارغة فيها أعمال وحفريات ومعدات وعمالة مستغرقة في الشغل وسط ناطحات سحاب مرتفعة.. قالوا لنا هنا في هذا المكان المحفور كان برجان كبيران هما الأعلى في نيويورك، صارا بعد تحطمهما جراء ضربهما المقصود من قبل جماعة إرهابية أثراً بعد عين.
تعجبت من ناطحات السحاب المرتفعة المحيطة بالمكان من جهاته الأربع أنها لم تهتز، فضلاً عن أن تتصدع أو تسقط وهي لا تبعد عن البرجين أكثر من 300 م تقريباً !!!
قريباً من المكان الذي وقفنا عنده - وعلامات التعجب تملأ رؤوسنا والأسئلة تهد الأذهان- صالة كبرى مؤقتة، فيها صور لما حدث في 11 سبتمبر لحظة ضرب البرجين، وأخرى لضحايا مشوهة الوجوه وغير واضحة الملامح، وتصريحات للشخصيات العالمية المُدينة للحدث، وأقلام، وكابات، وتيشيرتات، ولوحات، ورسومات و... هدايا مختلفة يشتريها السائح من معرض الحادي عشر من سبتمبر المؤقت ليصطحبها معه إلى أهله في موطنه الأصلي الذين جزماً شاهدوا لحظة الحدث عبر وسائل الإعلام المختلفة وما زال اللغز المحير يدور في رؤسهم ولم يجدوا له حلاً ولن يجدوا!!!؟.
لما عدنا للحافلة بدت على محيا المرشد السياحي ملامح الحزن المفتعل، ذكر أن هذا المعرض الذي رأيناه قبل قليل هو مؤقت، وسيشيّد على أرض البرجين معرض دائم يخلّد هذه الذكرى المؤلمة، ويكون مزاراً للسياح - وطبعاً سيكون مصدر دخل للأمريكان وسبب غضب وكره للإسلام والمسلمين خاصة السعوديين منهم - واستطرد يتحدث عن هذه الحادثة بطريقة مدروسة وكأنه يبعث برسالة مملاة عليه بعناية فائقة يجب على جميع زوار هذا المكان أن يسمعوها وينقلوها لغيرهم حين يعودون لبلادهم.
لقد قال في معرض ما قال: إنه في ذلك اليوم المشؤوم الحزين قُتل أكثر من 4000 إنسان بريء، لم يكن كلهم أمريكان، بل منهم عدد إنجليز... إسرائيليون... ألمان.... كوريون... واستطرد في ذكر جنسيات مختلفة، ثم سكت قليلاً وألقى نظرة على الجميع وكأنه يهم بالبوح بأمر خطير: «ولا تنسوا أن هناك خمسة عشر سعودياً كانوا هم من نفذ هذا الجرم الإرهابي الذي غيّر مجرى التاريخ، وأساء لأمريكا وقتل أشخاصا من كل العالم»!!!!؟.
مررنا في أطراف المدينة على برج اتصالات مهجور فأشار إليه وهو يقول : هذا برج للاتصال الهاتفي، زُرع مؤقتاً حين ضرب الإرهابيون السعوديون البرجين، والتفت إلينا بنظرة ماكرة مليئة بالخبث والحقد والضغينة.
انتهت حكايتي الشخصية التي كتبت عنها هنا في 17-10-1431هـ في هذه الزاوية، تحت عنوان «نيويورك.. وتجارة الكراهية»، ولكن لم تنتهِ آثارها ونتائجها وتوابعها حتى الآن، و»قانون جاستا» لا يعدو أن يكون مجرد إفراز من إفرازات هذه التجارة التي تطمع الولايات المتحدة الأمريكية أن تكسب منها المال والأرض والناس «سياسياً واقتصادياً وفكرياً»، وقد تكون تداعيات هذا القانون هي:
* الورقة الأكثر حضوراً في ردهات البيت الأبيض الفترة القريبة المنظورة.
* والملف الحاضر على طاولة متخذي القرار هناك.
* والقضية الأساس التي سيشتغل عليها الرئيس الأمريكي القادم أياً كان.
وإلى لقاء بإذن الله لنكمل الحديث في هذا الموضوع العالمي/ الوطني الساخن، ودمت عزيزاً يا وطني، والسلام.