التهوين والتهويل هما الصفة السائدة التي سيطرت على الرأي العام السعودي والعربي طيلة الأيام الماضية بعد إقرار قانون العدالة ضد الإرهاب «جاستا»، الذي سنه وشرعه الكونجرس الأمريكي بشقيه الشيوخ والنواب للتدخل في شؤون الدول الأخرى، ومقاضاتها وفق القوانين والأنظمة الأمريكية في الداخل الأمريكي، وأنا هنا أود القول إن كلا من التهوين والتهويل غير صائب، فالوضع الراهن الذي أفرزه صدور هذا القانون يستلزم منّا في المملكة خصوصًا معالجة متأنية، ورؤية متعمقة فحليف الأمس قرر بمحض إرادته الكاملة ألا يلتفت إلى تراث طويل من العلاقات القوية والراسخة بين الدولتين المحوريتين في عالم اليوم، فالولايات المتحدة الأمريكية هي زعيمة عالم اليوم، والمملكة العربية السعودية تقود العالمين العربي والإسلامي وتستند إلى قواعد شعبية تتجاوز المليار ونصف المليار مسلم يغطون مساحات شاسعة من الكرة الأرضية.
إذن نحن أمام حقبة جديدة من الصراع تستلزم منا الوعي بمفرداته وآلياته، وألا تأخذنا ردات الفعل إلى غياهب لا ندري لها موطئ أو قرار، لذا لا يسعني هنا إلا أن أشيد بهدوء وروية حكومتنا الرشيدة في عدم انسياقها وراء الأصوات التي علت تنادي باتخاذ إجراءات متعجلة ضد القرار الأمريكي من شأنها في ظني أن تزيد من تكلفة الأزمة بين دولتين استطاعتا أن تعبرا كافة الأزمات طوال سبعة عقود من التعاون البناء، اقتصاديًا، وسياسيًا، ودوليًا، وهذا دأب حكومة المملكة دائمًا في مواجهة مثل هذه المواقف.
أنا على ثقة تامة بأن الحكمة التي تدير بها المملكة سياساتها داخليًا وخارجيًا كفيلة بتجاوز مثل هذه الأزمات، وتعميق إحساس الإدارة والنخب بالخطأ، والحماقة التاريخية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، ولمن يستغرب تباطؤ السعودية في اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة ضد «جاستا» حتى الآن، عليه أن يتذكر المواقف العديدة التي اتخذتها المملكة في أزمات أكثر خطورة مثل هجوم النظام البعثي في العراق على الكويت، فلم تعتد الحكومة السعودية اتخاذ مواقف خطابية وإعلامية مثيرة، وإنما تعودنا منها اتخاذ الموقف الصارم السليم في الوقت المناسب الذي يراعي مصالح الشعب السعودي في الداخل والخارج.
التعاون التام حول كافة الإجراءات والقرارات التي تتخذها حكومتنا الرشيدة يجب أن يكون ديدننا في هذه المرحلة، لأن في وحدتنا ودعمنا لحكومتنا أكبر رد ودليل على أننا قادرون على الوقوف في خندق واحد ضد العجرفة الأمريكية، وأن حالة الإدراك والوعي لدى الشعب السعودي بخطورة المرحلة التي يقف فيها الجندي السعودي على الحدود ليدافع عن أمن المملكة وحياض الدين تستلزم التكاتف والتعاضد في مواجهة التآمر والبغي والعدوان.
«جاستا» سيمر، والولايات المتحدة الأمريكية التي تصارع الاحتضار شأنها شأن كل الإمبراطوريات عبر الزمن التي اقتاتت على الجور والطغيان أوشكت أنفاسها الأخيرة أن تنقضي لتكون مجرد تاريخ بالي يدرسه أبناؤنا، وتتعلمه أجيالنا في المدارس لاستلهام العبر من دروس التاريخ، كيف أن عبقرية الشعب السعودي وحكمة وفطنة قيادته استطاعت أن تكسر جبروت الطغيان الأمريكي، وتحيله إلى مجرد ذكري تتناقلها أجيال البشرية حول العالم.