فضل بن سعد البوعينين
تعاملت مؤسسة النقد العربي السعودي بواقعية مع متغيرات دخل المقترضين الناتجة عن تعديل أو إلغاء أو إيقاف بعض العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا المالية؛ والتي ستؤثر في مجمل رواتب المقترضين وحجم التزاماتهم المالية. من الطبيعي أن يكيف المقترض نفقاته المالية مع دخله الصافي بعد استقطاع الأقساط الشهرية الثابتة؛ ما يعني تأثره المباشر مع أي خصم إضافي غير متوقع؛ وغير محتسب في قياس حجم القرض بتداء ما حمل «ساما» على التدخل السريع من أجل خفض الالتزامات المالية الثابتة المرتبطة بأقساط المصارف. وبالرغم من الإجراء الفوري لمؤسسة النقد إلا أن البيانات المالية ذات العلاقة برواتب المقترضين لم تكن حاضرة ما قد يتسبب في عرقلة إجراءات إعادة الجدولة؛ أو احتساب تبعاتها المالية على طرفي العلاقة الإئتمانية. تأخر حصول الموظفين بشكل عام؛ والمقترضين بشكل خاص على بيانات مرتباتهم الجديدة ستحدث أزمة حقيقية نهاية الشهر الحالي للبنوك والوزارات والمؤسسات الحكومية؛ ووزارة الخدمة المدنية على وجه الخصوص. التعامل بشفافية مطلقة مع متغيرات الرواتب؛ وتقديم البيانات الفورية للموظفين سيسهم في رفع الجهالة؛ وطمأنة الموظفين؛ وامتصاص ردود الأفعال والتعامل معها باحترافية تعتمد على الحقائق والرؤية الشمولية للقرارات.
قد نستشعر اليوم أهمية الحكومة الإلكترونية القادرة على التعامل السريع مع الأنظمة المستحدثة دون أن يكون لها تبعات تنظيمية أو أن تواجه بمعوقات تحد من عمليات التنفيذ الفوري. هل واجهت البنوك مشكلة في التعامل مع توجيهات مؤسسة النقد ذات العلاقة بإعادة الجدولة؟. أعتقد ذلك؛ فإعادة الجدولة الهادفة إلى تثبيت نسبة الخصم في القروض الاستهلاكية عند 33 في المائة تستدعي معرفة حجم راتب المقترض وفق مستندات رسمية؛ وهو مالم يتوفر بعد؛ وأستبعد أن يكون متاحا خلال الشهر الحالي بسبب عدد المقترضين المهول؛ وآلية عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية. كنت أتمنى أن تسبق هذه القرارات المهمة دراسة شاملة لاحتياجاتها التنظيمية وانعكاساتها المستقبلية إضافة إلى الخطوات التحوطية الضامنة لحجب التداعيات السلبية لها. فعلى سبيل المثال؛ كان من الممكن استحداث قاعدة بيانات ترحل لها بيانات الموظفين المالية بعد التعديل وأن يسمح للموظف الدخول عليها لمعرفة ما حدث لمرتبه بعد التعديل؛ وإتاحة الخدمة نفسها للبنوك وبما يساعد على توفير البيانات المطلوبة في وقتها. أضرب مثال بنظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الذي يتعامل بكفاءة مع بيانات المتقاعدين ويتيح لهم إمكانية سحب بياناتهم الخاصة بخطابات إلكترونية دون الحاجة لمراجعة مكاتب التأمينات. ونظام أبشر الذي يتيح لجميع المواطنين التعامل مع حساباتهم الإلكترونية والحصول على الخدمات الفورية التي تتجاوب تلقائيا مع أية متغيرات تنظيمية طارئة.
بادرت بعض البنوك السعودية لتأجيل قسط محرم؛ وبالرغم من أهمية المبادرة للمقترضين؛ إلا أن البعض تحفظ على أسبابها المعلنة؛ بسبب الخبرات المتراكمة عن تقصير البنوك في جانب المسؤولية المجتمعية والمبادرات الإنسانية وأرجعوها لمعوقات تنظيمية. وبغض النظر عن المسببات؛ إلا أن البعد الإنساني في التأجيل لا يمكن إقصائه؛ وأن حضرت المسببات الأخرى.
يحسب لمؤسسة النقد الزام البنوك بعدم احتساب مصاريف إدارية على عمليات إعادة الجدولة؛ وتثبيت سعر الفائدة الأول حين احتساب تكلفة الأجل، والسماح بتمديد فترة السداد النظامية المحددة بخمس سنوات متى استدعى الأمر ذلك؛ وكنت أتمنى لو راجعت آلية تقييم البنوك حجم القرض المدفوع وفق الأنظمة الرسمية وإلزام المخالفين بتحمل تكلفة الأجل لتسببهم في تضخيم القروض بما يفوق قدرة المقترضين على تحمل الإقساط مستقبلا؛ وهذا ما حدث بالفعل. تنافست البنوك فيما بينها للاستحواذ على شريحة أكبر من سوق القروض الاستهلاكية؛ واستخدم بعضهم وسائل جذب متعارضة مع معايير الإقراض؛ ومنها الجدارة الائتمانية التي تعتمد على المرتب حيث عمد بعض البنوك إلى زيادة حجم القرض على 15 راتبا من خلال احتساب علاوات غير دائمة حين تقييم القرض لزيادة حجمه وإيهام العميل بأنهم قدموا له قرضاً يفوق 17 راتبا وربما أكثر؛ ثم تمادوا باحتساب بدلات خارج الدوام إذا ما ثُبِتت في مسير الراتب لأكثر من ستة أشهر. لا خلاف على تجاوزات بعض البنوك التي تسببت في انكشاف المقترضين بعد فقدانهم تلك العلاوات غير الدائمة؛ لذا يجب أن تتحمل البنوك مسؤولية خطأها وأن لا تكتفي بتثبيت سعر الفائدة عند إعادة الجدولة بل في تحمل تكلفة الأجل؛ أو على الأقل تحمل 50 في المائة منه. لذا أناشد المقترضين بمراجعة آلية احتساب البنوك لقروضهم الحالية؛ والاعتراض عليها في حال مخالفتها معايير وأنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي.