محمد بن عيسى الكنعان
تعرضت المملكة خلال تاريخها الطويل وبالذات العقود الأخيرة لحروب متنوعة في طبيعتها ومتغيرة في مواقيتها؛ سواءً عسكرية كما حدث إبان تحرير الكويت، أو يحدث اليوم في اليمن، أو إعلامية كما حدث من حملات تشويه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أو سياسية كما حدث سابقاً بالمدّ القومي الناصري، أو حالياً بالمشروع الإيراني (الصفوي)، الذي يستهدف إسقاط كل العواصم العربية ليسهل تطويق المملكة وفرض هيمنته على المنطقة العربية، غير أن هذه الحروب كانت تقليدية وأمكن مواجهتها بحزم وقوة لا تلين، والتعامل معها، ومن ثم تجاوزها حتى صار تاريخاً، أما الحروب (غير التقليدية) في طبيعتها وأهدافها وحتى توقيتها، فمثالها ما تعرضت له المملكة قبل أكثر من شهر مستهدفةً مركزها الديني ومكانتها الإسلامية، وحرب أخرى تتعرض لها هذه الأيام وتهدد مركزها المالي ووضعها الاقتصادي، الأولى كانت برعاية روسية، والأخرى صناعة أمريكية، الحرب الأولى تمثّلت في عقد مؤتمر سياسي بغطاء ديني تجلى في مؤتمر (الشيشان)، الذي عُقد بمدينة غروزني نهاية شهر أغسطس 2016م؛ لتحديد من هم أهل السنّة والجماعة؟ والحرب الأخرى تمثلت في إصدار قانون مالي بغطاء سياسي. تجسّد في قانون (جاستا)، الذي صدر عن الكونغرس نهاية شهر سبتمبر من نفس العام؛ لتحقيق العدالة ضد رعاة الإرهاب.
ما يخص مؤتمر الشيشان فلن أخوض في تفاصيله، أو أكرر ما قيل عنه، إنما سأشير إلى نقطتين تعطيان صورة تلك الحرب التي حاول فيها المؤتمرون أن يعزلوا المملكة بطريقة مباشرة من خلال توصياته، رغم يقينهم بمكانتها الراسخة في العالم الإسلامي على المستويين السياسي والديني، وبالتالي وضع المملكة في أزمة مع خطها الديني السائد المتمثل في السلفية العلمية المرتبطة بالدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب من جهة، وبالحنبلية من جهةٍ أخرى بما يعرف بأهل الحديث، لهذا لم يستضف المؤتمر عالماً واحداً من علماء المملكة، ولم تدرج المؤسسات الدينية السعودية ضمن مؤسسات تعليم الدين العريقة، بل إن توصية المؤتمر حصرت أهل السنّة والجماعة بـ(الأشعرية والماتريدية والصوفية)، مستبعدةً أهل الحديث كونهم ضمن الطيف السلفي، والأمر يشمل الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب - التي يصفونها بالوهابية - ومن ثم محاولة ربط العنف والإرهاب بالسلفية بكل أطيافها ليسهل تبرير إخراجها من أهل السنة والجماعة، وبهذا تكون بلادنا بين خيارين كلاهما مر؛ الاعتراف بهذه الدعوة الإصلاحية بكل أدبياتها وأحكامها وتراثها، أو البراءة منها؛ غير أن البيان الحكيم والرشيد لهيئة كبار العلماء في المملكة حول المؤتمر قطع الطريق على استمرار هذه المهزلة وكشف حقيقته للعالم الإسلامي، فقد كان البيان محدداً ومسدداً وموفقاً، فلم ينزل إلى مستوى أطروحات المؤتمر وتوصياته، بل أكد وحدة المسلمين وعدم الفرقة، وأنه لا عز ولا جامع للكلمة إلا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعدم توظيف الأزمات لمصالح سياسية، وأن نوازل الأمة تستوجب جمع الصف وتوحيد الكلمة بدل السعي إلى الفرقة وإشاعة الفتنة في الأمة.
جدير بالذكر أن مؤتمر الشيشان ليس إلا حلقة في فرض (الإسلام الصوفي) وتكريسه كممثل عن (الإسلام السني) في العالم، وبهذا تتحقق إحدى أهم توصيات مؤسسة (راند) الأمريكية، التي تشجع انتشار الصوفية في العالم.
أما ما يتعلق بقانون (جاستا) الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي ويمنح عائلات ضحايا أحداث الحادي من سبتمبر الحق في رفع دعاوى قضائية ضد الدول، التي ينتسب لها الإرهابيون، فإنه حسب تغريدة للدكتور خالد الفرم ليس مفاجأة، فهو موجود في الكونغرس منذ العام 2009م، وقد تم تقديمه كقانون من قبل النائب شومر في العام 2013م، وفي العام 2014م أقرته اللجنة العدلية بالكونغرس، ثم تم تقديمه معدلاً العام 2015م، وفي هذا العام 2016م تم إقراره. ما يعني أن هذا القانون ليس إلا ابتزازاً سياسياً تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد المملكة وإن لم تذكرها بالاسم في حيثيات القانون. وذلك بعد التحولات الإقليمية في المنطقة ومواقف المملكة منها، خصوصاً أن كل التقارير الأمريكية التي صدرت بخصوص تلك التفجيرات لم تستطع أن تثبت أية صلة للمملكة بها، ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى الابتزاز من خلال التلويح بهذا القانون، أو دفع المملكة إلى تسوية لغلق هذا الملف الذي مضى عليه 15 عاماً. وفي كلا الحالتين فإن الهدف الرئيس هو الاستيلاء على الأصول والأموال السعودية، بغض النظر إلى أن تفعيل هذا القانون في المحاكم الأمريكية سيؤدي إلى إضعاف أو إسقاط حصانة الدول ويهدد سيادتها بما يهدد السلم العالمي.