أحمد محمد الطويان
شعبياً لم نعرف أميركا كما ينبغي، ونطلب أن يعرفنا الأميركيون أكثر وأعمق.. ولكن لم نعط ذلك اهتماماً حقيقياً، وهنا يجب أن نؤكّد أن الحديث عن أميركا يجب أن يكون بما تستحقه القوة الأكبر والأعظم، في السياسة والعسكرية والاقتصاد والتقنية، بغض النظر عن الكارهين والمحبين، فلا يجوز بتاتاً أن تأخذ العاطفة بعضنا إلى اللا منطقية واللا عقلانية في الهجوم على أميركا في ردود الفعل التي أطلقها البعض على «قانون جاستا» المسيء لأميركا قبل أن يسيء لأي دولة أخرى.
من خلال إقرار «جاستا» يتضح لنا بأننا نعاني من تقصير في التواصل الإيجابي إعلامياً وثقافياً، وأن هناك أسباباً يجب أن نغيِّرها حتى تتغيَّر النتائج. يجب أن يتضح من خلال إعلامنا وخطابنا الاجتماعي أن حكومتنا هي القائدة في الحرب على التطرف والإرهاب، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد في العالم أن يشكك بها، والحكومة الأميركية على رأس العارفين بذلك.. ولكن الصورة الذهنية للسعودية ظالمة ومجحفة، وهنا أتحدث عن المجتمع والثقافة والخطاب الديني، وهي مشكلة قديمة تتجدد، ولن تحلها المبادرات الفردية.
يجب أن لا نخلط بين أميركا وسياسييها، وأن لا نتعامل بعاطفة مع أي شيء يصدر من واشنطن. وإن كان ما صدر بحسب رأي البعض يُقصد به الابتزاز، والإساءة للمملكة، لكن هذا لن يتحقق لمن صنعوا القانون ووقفوا خلفه لاعتبارات كثيرة.. ولا يخدمنا نهائياً أن تكون ردود الفعل جاهلة وعاطفية وثورية، وفي المقابل من يطلقون هذه الردود هم في الغالب لا يعرفون شيئاً عن النظام السياسي والقانوني للولايات المتحدة، ويرددون شعارات نخب مصطنعة تظهر خواءها، وانعدام وعيها السياسي.
الموقف الرسمي السعودي كالعادة كان قمة في الرصانة والهدوء والوضوح الديبلوماسي، ولكن كما هو معتاد لا يعكس إعلامنا سياستنا الداخلية أو الخارجية، وهي ليست مشكلة وزارة أو أشخاص، بل مشكلة الصناعة الإعلامية ومؤسساتها وما بنيت عليه وراكمته السنين.. وانعكس ذلك أيضاً على توجيه سلبي للرأي العام حتى في السوشال ميديا، وأصبح ترديد الشائعات وبناء الآراء الشعبوية بما يخص «جاستا» بالتحديد دليلاً على مشكلة عميقة في هذا المجال.
يتغيّر صنّاع السياسة ولكن تبقى السياسة ثابتة، والالتزامات باقية بمبدأ التوارث، وما يجمع السعودية بأميركا أكبر وأعمق مما يقال هنا وهناك، ولا يعني ذلك أن لا غيوم تلبد سماء هذه العلاقة بين وقت وآخر، ولكن بالثقة المتبادلة تنتهي أي أزمة ويزول أي مسبب للخلاف. ونحن بلا شك نواجه مشكلات تشويه صورتنا من جمهورية الثورة الخمينية التي اختطفت إيران، إضافة لعملها وفق خطة استخبارية لضرب مصالحنا في كل العالم.. ولأنني أعتقد بأن هجمات 11 سبتمبر الغادرة كانت موجهة في الأساس لتدمير العلاقات السعودية الأميركية، فإن من صنع «جاستا» أراد أيضاً إكمال ما قام به من دبروا ذلك العمل الإرهابي.. ولكن ستتجاوز المملكة هذا الأمر وبرشاقة وبلا أضرار. علينا أن نثق بما لدينا، وأن نبحث عن الفرص في وسط الأزمة، ولا يجب أن نلتفت لمن يحاولون تحطيم نجاحاتنا.