د. فوزية البكر
لا أظنني أمتلك الشجاعة لطرح موضوع المياه للنقاش في جلسة خاصة لأنه يبدو مملاً حتى النخاع، كما أن لا أحد من الأقارب أو الأبناء يبدو معنياً بالتعرف على حقائق هامة كحقيقة أننا سواء في العالم العربي وأكثر في السعودية، ربما سنكون مضطرين للدخول في حروب طويلة من أجل توفير قطرة ماء للشرب، وهي التي تهدر اليوم في كافة الاستعمالات المنزلية أو في مشاريع زراعية غير ذات كفاءة أو جدوى (مائية).
قفزت لنا مشكلة المياه إلى الواجهة بفعل عوامل كثيرة أبرزها الزيادات الهائلة في أعداد السكان وخذ السعودية مثلاً، وحسب ما أصدرته مصلحة الإحصاءات العامة، فقد تطورت أعداد السكان في المملكة من 22 مليون نسمة عام 2004 إلى 31 مليون نسمة عام 2015 (رحماك يا رب: يذكرني هذا بما كنا نقرأه عن مصر العظيمة ولم أصدق أننا يوماً سنصل إلى ذلك؟؟)، وهذه الأعداد مرشحة خلال سنوات لتصل إلى 40 مليوناً؟ كيف سنتحرك؟ كيف سنأكل ونشرب؟
كذلك لعبت تحولات المناخ وارتفاع درجات الحرارة دوراً في تجفيف مصادر المياه غير الدائمة، مثل الوديان والآبار وتقليل معدلات تساقط الأمطار مع ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة وخاصة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع استهلاك المياه، إذ أظهرت الإحصاءات أنه في حين حددت منظمة الصحة العالمية الاستهلاك الصحي الرشيد للفرد بـ 83 لتراً يومياً، يتراوح معدل الاستهلاك العالمي الفعلي ما بين 150 إلى 200 لتر في اليوم، غير أنه يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم للفرد في المملكة أي بنحو 256 ليتراً، بل إن العاصمة الرياض هي من أكثر العواصم في العالم استهلاكاً للمياه بمقدار 330 لتراً للفرد الواحد في اليوم ! وهو ما جعل تكلفة تكرير المياه الأعلى على الإطلاق بمبلغ تجاوز 17 مليار ريال.
وفي ورشة عمل (نتائج دراسات المياه الجوفية) التي عقدتها وزارة الزراعة والمياه في يونية 2016، أظهرت أن حجم استهلاك المياه في المملكة قد ارتفع بنسبة 18% منذ بدأت الدراسة عام 2004 وحتى انتهت عام 2015 .
تأتي ما نسبته 77% من المياه التي نستهلكها في المملكة من مصادر غير متجددة كالمياه الجوفية ومياه الأمطار، مما يجعل خطر تبديدها بفعل الاستخدام الجائر واقعاً مؤلماً.
ما لا أتمكن من فهمه هو ورغم أننا لسنا بلداً زراعياً بحكم جغرافية المنطقة، إلا أنّ أكثر من 80% من استهلاك المياه يصرف على القطاع الزراعي!
مشاريع الأعلاف التهمت معظم مياهنا أو ما يعادل 700 سنة من الاستهلاك المنزلي، وهو ما شجع الدولة أن تصدر قرارها بالإيقاف التدريجي لمشروع الأعلاف، الذي يجب أن ينتهي تماماً خلال ثلاث سنوات. هناك أيضاً الحليب الذي نستهلكه، حيث إن كل لتر يصل إلى ثلاجتك يكلف 500 لتر من الماء العزيز!!
ورغم أنني من عشاق التمر بكل أنواعه خاصة في مواسمه الحالية، إلا أنّ ما يوجع القلب هو أن كل تمرة تصل إلى فمي تستهلك 50 لتر ماء سنوياً! (لدينا 30 مليون نخلة تنتج بليون تمرة بمقدار عشر تمرات للفرد الواحد في اليوم)!
استهلاك بعض المناطق التي تعتبر (زراعية) عال جداً مثل الرياض والقصيم وحائل وتبوك، حتى أن حجم المياه التي استخدمت لمشاريع زراعية خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، يوازي الاستخدام المنزلي لألف عام!
الوعي الفردي مهم جداً في حفظ ثروة نادرة وغير متجددة، والحفر الجائر للآبار الارتوازية لسقيا المزارع والاستراحات الخاصة، دون حذر هو ما هوى بمخزوننا المائي إلى الحضيض، إضافة إلى قلة الوعي العام بالمشكلة، ففي دراسة قامت بها الوزارة مع شركة سينوفيت، تبين أنّ 68% من مجتمع العينة لا يعلمون أن هناك شحاً في مصادر المياه في المملكة، كما اتضح أن 99% من المواطنين والمقيمين لا يعرفون تكلفة تحلية المياه؟!
المريع أنّ الدراسة أظهرت أنّ 82% لا يطبقون أية إجراءات من شأنها توفير المياه، لأنهم ببساطة لا يمتلكون معلومات دقيقة حول كلفتها ولا كيفية نقلها من مدينة إلى أخرى، كما يجري مثلاً من نقل المياه المحلاة من الشرقية إلى الرياض، مع ما يكتنف ذلك من صعوبات لوجستية وأمنية وتكاليف عالية جعلت المياه المحلاة في المملكة الأغلى في العالم.
الوعي الشعبي لهذه المشكلة هام جداً لمحاصرتها، سواء من حيث تتبُّع تسربات المنازل أو التوعية المباشرة مع الممارسة في المؤسسات التعليمية والدينية وهي الأكثر تأثيراً، ثم يبقى على الدولة (وهي تفعل ذلك) اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن المزروعات الأكثر عملية في بيئة صحراوية فقيرة بالمياه. المهم أن نتذكر أن مع كل نقطة مياه نتركها هدراً أثناء تنظيف أسناننا أو أثناء الاستحمام، تعني جفافاً قادماً لا أحد يحب أن يتحدث عنه.