يرى بعض علماء الاجتماع المعاصر أن أي تغيير يطرأ على أيديولوجية المجتمع الإنساني لا بد أن ينعكس على الظواهر والمؤسسات والنظم الاجتماعية، بما فيها النظام الأُسري، وعلى حياة الناس أنفسهم ونظرتهم إلى المجتمع. ومع شدَّة وتيرة التغيُّر الاجتماعي التي ألقت بظلالها على النَّسق الأُسري ومكوِّنه برزت على السطح المنزلي بعض المشكلات والأمراض الاجتماعية والأسرية، منها مشكلة غيرة بعض الحموات (أم الزوج)، وتسلطهن على زوجة الابن كقضية معاصرة تعاني من رواسبها المجتمعات العربية، ومنها مجتمعنا السعودي تحديدًا؛ ولذلك فإن بعض الزوجات يقعن في صراع أُسري مع الحماة بسبب مرض الغيرة، وربما يرتفع هرمون الغيرة، وتنشط خلايا الحسد داخل وجدان الحماة.. وبالتالي تطلب طلاق الزوجة من الابن، وهذا ما يحصل - مع الأسف - في معظم حالات الطلاق والانفصال، وتدمير الحياة الزوجية في مجتمعنا الفتي. ولعل لغة الإحصائيات تؤكد أن العوامل الاجتماعية والأسرية تشكل النسبة العظمى بعد العامل الاقتصادي من حيث أسباب الطلاق في مجتمعنا السعودي. وحسب معطيات (علم الاجتماع الأسري) وأبحاثه يمكن تصنيف أنماط شخصية الحموات من حيث سلوكياتهن السلبية إلى (الحماة الغيورة) التي تغار من زوجة ابنها لأسباب عدة, و(الحماة الفضولية) وهي غير مؤذية لكنها فقط تريد أن تعرف تفاصيل كل شيء في حياة ابنها الزوجية, (والحماة متقلبة المزاج) وهذا النمط متغير في طبيعة السلوك مع زوجة الابن، وهي غريبة الأطوار في طريقة التعامل، وتتأثر بالأشياء المحيطة بها. ومن الأنماط أيضا (الحماة المتسلّطة)، وهذه الشخصية المستبدة من أخطر أنواع الحموات، وغالبًا ما تؤدي إلى تدمير الحياة الزوجية للابن بأي طريقة، وهي تجمع بين الحموات السابقة (الغيورة والفضولية ومتقلبة المزاج).. وشغلها الشاغل تعكير صفو الحياة الزوجية حتى لو كان على حساب راحة ابنها.
من أهم الأسباب في تسلُّط أم الزوج أو (الحماة) على زوجة ابنها مرض الغيرة, والحسد, وحب التسلط, والفضول, وتقلب المزاج.. وهي امتداد للفراغ العاطفي، وللنرجسية الأنانية التي تتصف بها بعض الحموات. ويمكن تفسير دوافع هذا السلوك المرضي (السوسيولوجيا) بأن الحماة ترى أنها تعبت في تربية الابن وتعليمه والسهر عليه في مرضه.. وفجأة تأتي امرأة أخرى وتشاركها فيه، أو ربما تأخذ منها الزمام كله..!! ومن الأسباب أيضًا ضعف الوعي الأسري، وغياب الوازع الديني, فضلا عن تأثير العوامل الثقافية المتمثلة في الانفتاح الإعلامي وظهور شبكات التواصل الاجتماعي, وما تعرضه وسائل الإعلام والفضائيات من أفكار مستوردة، فيها إساءة لسمعة الحماة؛ وبالتالي روّجت ورسّخت الصورة الذهنية بأن (أم الزوج) متسلطة وغيورة عبر المسلسلات.. وصوّرتها على أنها هي الآمر والناهي لأي قرار بين الزوجين. وهذا - لا شك - قد يعزز من اتساع دائرة تسلط بعض الحموات، وإشعال نار غيرتهن من زيجات الأبناء في المجتمع، وذلك من منطلق نظرية الغرس الثقافي, خاصة أن الغيرة - وكما يقول المثل الهندي - تقتل المرأة، والحزن يقتل الرجل..!!
وهنا ينبغي على الزوجة التعامل مع الحماة المستبدة والغيورة برفق وصبر ولين وحكمة، ومراعاة مشاعرها، وعدم المبالغة في إظهار مشاعر الحب لزوجها، وعدم المبالغة في التزيُّن واللبس اللافت وإظهار جمالها أمام (أم زوجها)، خاصة عندما تجتمع الحماة وزوجة الابن في سكن واحد؛ حتى لا تثير فضول غيرتها؛ وبالتالي تجنب الخلاف معها. كما يجب على الزوج إخفاء مظاهر الاهتمام بينه وبين زوجته أمام (الأم المتسلطة).. وأن يحاول بقدر الإمكان خلق جو من الفكاهة والمرح أمامهما. وليس (عيبًا) أن يفعل الزوج ذلك في سبيل ضبط توازن الحياة الأسرية، وضمان استقرارها العاطفي والنفسي. كما لا نغفل عن أهمية مكافحة هذا المرض الاجتماعي النفسي في قالبه المؤسسي, وذلك بالنهوض بقالب الوعي الأسري، وتنوير المجتمع، وتبصيره بخطورته على البناء الأسري والاجتماعي. وهذه لا مناص تقع مسؤولياتها على المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتربوية، خاصة المؤسسات الدينية التي تلعب دورًا تربويًّا, وحراكًا تنويريًّا في تقويم السلوك الأخلاقي، وتنمية الوعي التربوي، وضبط توازنه عبر المنابر الإعلامية.