«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الماضي لم يكن متوفراً في كل البيوت اللهم إلا لدي بعض الأغنياء والميسورين فتجده في قصورهم. وبالنسبة للعامة كانت هناك مواد أخرى تستعمل في الحياة اليومية. اليوم تكاد تجده في كل مكان حتى داخل جيبك وربما فوق عينيك إذا كنت تستخدم النظارات، إنه الزجاج، هذه المادة المعجزة والمدهشة التي باتت في السنوات الأخيرة تزحف علينا من كل مكان بل باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا العصرية، ولو سرت اليوم في أحد شوارع الرياض فأنت تشاهد العمارات الشاهقة وناطحات السحاب وهي ترفل بألواح الزجاج المختلفة من ضمن مكونات هذه العمارات وناطحات السحاب، بل صار البناء الزجاجي (موضة العصر) التي لا يقاومها المصممون ومن ثم جعلوها محوراً أساسياً في تنفيذ تصاميمهم لمختلف المباني والمشاريع الحديثة. لكن لماذا فرض «الزجاج» نفسه على حياتنا بهذه السرعة وجعله يصل لمختلف الأماكن وأصبح يعتمد عليه في العديد من المنتجات المتنوعة التي تجد إقبالاً عليها بصورة لا تصدق؟
الزجاج اليوم وألواحه جعل الحياة أكثر إشراقاً وبهجة وإضاءة فأنت عندما تجلس داخل صالة أحد المطارات الحديثة تشعر أنك جزء من المحيط والأفق وذلك من خلال ما تتيحه ألواحه الكبيرة من رؤية واسعة وضوء كبير يمتد ويمتد ناشراً نوره البهي..! ونفس الشيء يقال داخل صالة البيت فعندما تكون النوافذ الزجاجية كبيرة وواسعة لا تحتاج إلى استعمال الإضاءة الصناعية وتوفر بالتالي استهلاكك للكهرباء وذلك لأن ألواح الزجاج ساهمت في نقل الضوء الخارجي للداخل بسهولة ويسر.. ويقول المختصون إن «الزجاج» مادة سائلة وليست صلبة كما هو مشاهد ولكن هذا السائل متجمد لوجوده في درجة حرارية بالغة البرودة بالنسبة له. ولهذا السبب فله من الخواص ما يبدو غريباً وعجيباً للغاية للوهلة الأولى ومن ذلك أنه كلما كان الخيط الزجاجي رقيقاً كان أشد صلابة وبتعبير أوضح كما حزمة الخيوط الزجاجية التي تستخدم في العديد من المجالات ومن أهمها كيابل الاتصالات. والمدهش أنه بالإمكان ومن خلال هذه الخيوط الزجاجية والكيابل إرسال شعاع ضوئي عبر هذا الخيط الزجاجي الرفيع جداً جداً يصل إلى 2 من الألف المليمتر.. وهكذا نجد أن الخيوط الزجاجية استعملت في مجالات عديدة في حياتنا خاصة في المواصلات والطرق فجميع العلامات المكتوبة والمصورة في طرق السيارات والمركبات تضيء بوقوع ضوء السيارات عليها كونها مصنوعة من مجموعة من الخيوط الزجاجية.. ومنذ زمن بعيد عرف الصينيون الزجاج وأبدعوا في صناعته وإنتاجه وكانت المنتجات الصينية من الخزف تشكل قبل عشرات السنين وحتى اليوم مورداً اقتصادياً كبيراً بل إن المصنوعات الصينية الزجاجية غزت العالم مبكراً. وكانت قصور الأباطرة والملوك والقادة في الماضي تتميز بوجود الفازات الصينية العملاقة والأواني والأطباق الزجاجية والخزفية وحتى الأكواب والكؤوس والتحف الكريستال التي أبدع في تصميمها وإنتاجها الصينيون ولحقهم بعد ذلك اليابانيون والكوريون والهنود والروس والغرب بصورة عامة. ولا ننسى أمتنا العربية التي كان لها دورٌ كبيرٌ في صناعة الزجاج في دمشق والقاهرة وبغداد. فكانت لنا دوارقنا وقواريرنا التي اشتهرت منذ القدم وجاء ذكرها في كتب التاريخ وروايات ألف ليلة وليلة.. وفي العقود الأخيرة أنتجت مصانع الزجاج العالمية أنواعاً من الزجاج لا يخترقه الرصاص ومنه ما يوضع في نوافذ السيارات المصفحة ومكاتب القادة والرؤساء وغيرهم كذلك أنتج نوعاً من الزجاج القاوم للحرارة الشديدة ولذلك تجد هذه الأنواع تستعمل في الأواني الزجاجية الخاصة كقدور للطبخ أو للتحليل في المختبرات الطبية. وقبل سنوات انتشرت في محلات الديكور مكعبات زجاجية قاسية تستخدم لبناء حواجز وجدران عازلة في بعض البيوت والمكاتب لتعطي شكلاً مختلفاً داخل المبنى أو خارجه.. وفي بلادنا توجد مصانع زجاجية عديدة ومتنوعة ومتخصصة في إنتاج ألواح الزجاج العازل. وأنواع أخرى لمختلف احتياجات السوق السعودية والخليجية والعربية. بل بات الإنتاج السعودي من الزجاج العادي والعازل والدبل جلاس والاستراكشر. كذلك الزجاج المزخرف.. وبعض المصانع تنتج الأبواب الضخمة للمتاجر والمعارض الكبيرة وكل احتياجات الوطن من الزجاج وحسب الذوق والمزاج.. ومؤخراً شهدت مدينة المبرز إنشاء مسجد كبير، جوانب كبيرة من جدرانه زجاجية تتيح للضوء أن يدخله بصورة كبيرة..!