د. محمد عبدالله الخازم
عندما تعود للرياض بعد غياب، يتاح لك التأمل في أحوالها أكثر مما يحدث وأنت داخلها. دونت هذه الملاحظات وأنا في مقعد السيارة - مجازاً- وليس من على مكتبي كما هو المعتاد. في الرياض، لا يستبعد أن يقضي البعض ساعتين أوثلاث يومياً وبالذات إن كان ممن يسكن في طرف بعيد عن عمله، وإذا كان قائداً للسيارة فهي ساعات قلق وتركيز وتوتر.
الرياض لم تعد مزدحمة وقت الدوام فقط، بل كل وقت، وهذه ظاهرة تستحق الدراسة. أحد الزملاء يصف الأمر بأنه لا يمكن للشخص قضاء ساعات النهار والليل في الشارع، لكن أهل الرياض يتحركون وفق ورديات أصبحت نظام إجتماعي؛ هناك بشر يتحركون في النهار واخرون بعد الظهر وأخرون في المساء..إلخ. العائلة، مثلاً، تقسم تحركاتها بشكل متناوب، فالرجل يعمل حتى مابعد الظهر ثم يذهب للنوم حتى المغرب أو العشاء بينما العائلة تتحرك في العصر وحتى وقت العشاء، تعود العائلة للمنزل بينما يبدأ الرجل رحلة المساء مع الأصدقاء وفي الاستراحات...الخ
هذا التوصيف بين ساعات القيادة وقيلولة ما بعد الظهر وسهرة المساء، يقود إلى السؤال متى ينتج الناس أعمالهم الإضافية؟ أستاذ الجامعة، مثلاً، كيف يوزع وقته بين ممارسة الرياضة والبحث والتأمل والقراءة وخدمة العائلة وهو بين دوام روتيني و نوم وجلسات أصحاب وحرق أعصاب في الشارع؟ كيف يوجد وقت للإنجاز وطبيعة عمله تتجاوز مجرد إلقاء الدرس بالجامعة؟
أعود للشارع؛ وأحد الملاحظات الخرسانية البارزة هي هذا الكم الهائل من (الصبات/ البلوكات) الخرسانية وبعضها مخطط بالألوان في كل شارع وكل حي وكل تقاطع. أعتقد أنني لا أبالغ إن قلت بأن الرياض يمكنها الفوز برقم (جينس) في عدد الصبات الجاهزة؛ عند كل إشارة ورصيف ودوار وباب قصر أو دائرة حكومية وحفرية. أتفهم أن بعض الأعمال الإنشائية أو التنظيمية أو الأمنية تتطلب بعض التحويلات هنا أو هناك، لكن الموضوع يتجاوز ذلك بكثير. يخيل لك أن أهل الرياض لايقودون سيارات عادية وإنما مدرعات، لا يردعها سوى هذه البلوكات الخرسانية المزعجة منظراً ومعناً. أو أنه ينقصهم الوعي للالتزام بتحويلة أو رصيف، و لن يردعهم سوى كتل خرسانية ضخمة كهذه التي نراها في كل شارع.
أحدهم يعلق بخبث بأنه يبدو أن هناك مصنعا ضخما لهذه البلوكات لديه قدرة تسويقية خاصة لإقناع الجميع بها كبديل للوسائل الأخرى. العجيب أن المؤسسات والدوائر الحكومية والمنازل الفخمة وغيرها أصبحت مداخلها وشوارعها مشوهة بتلك الصبات العجيبة المنتشرة في كل مكان بشكل امتد لسنوات وليس لفترة أو ظرف محدد، بجانب حراساتها الأمنية ونقاطها الأمنية. هل هناك دراسات أمنية تشير لجدوى تلك الكتل الخرسانية كحلول وحيدة؟!
هذه بعض مشاهدات اتسعت المساحة لسردها، ورغم كل ذلك اشتقت للرياض!