عروبة المنيف
لا يخفى على الجميع الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد على كل المستويات، ولتكاتف القيادة مع المواطنين دور كبير في تجاوزها والتخفيف من وطأتها ولعل أشدها في الوقت الحالي الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمملكة جراء تدهور أسعار البترول ما سبب عجزاً في الميزانية. ولقد مرت المملكة قبل ذلك بظروف أصعب من التي نحن عليها الآن وتم تجاوزها بفضل الله ثم بفضل الإرادة الخيرة والثقة المتبادلة بين القيادة والشعب والتي كانت وستبقى المنارة التي تقودنا إلى بر الأمان والاستقرار المعيشي بإذن الله.
إن المرحلة الحالية ليست استثناءً فكل دولة معرضة لتلك الذبذبات المتكررة في النمو والاستقرار، والإجراءات الجراحية لبعض الهياكل والأجهزة في الدولة أمر وارد، ففي ظل الانخفاض المستمر في إيرادات الدولة كان من الواجب اتخاذ إجراءات مؤلمة ليتعافى الاقتصاد. من ضمن الإجراءات التي تم إعلانها مؤخراً، تخفيض بعض المزايا والبدلات والرواتب التي يتمتع بها بشكل أكبر موظفي الدولة من ذوي الدخول المرتفعة التي كانت في الأصل إما مبالغ في تقديرها أو تذهب لمن لا يستحقها وبحاجة إلى الترشيد سواء بأزمة أم بدون، ويتوجب بالتالي على الجميع المبادرة بالتضحية، فالوطن أعطانا الكثير في الرخاء ويجب أن نعينه ونعطيه في الشدة.
لكن أين مكمن الخلل الذي سمح للإشاعات المغرضة أن تنتشر كالنار في الهشيم بين الجماهير، ما بين متهكمين أو مقللين من نزاهة النوايا والمقاصد لتلك الإجراءات، وما بين تائهين مشوشين باحثين عن معلومات تفصيلية متعلقة بتلك الإجراءات وانعكاساتها على المواطنين، ما سمح للغيورين أن يبثوا سمومهم بين الجماهير ويتمادوا في استخدام الإشاعة كوسيلة لتحقيق أهدافهم المشبوهة. ولقد دعم انتشار الشائعات أيضاً ذلك الانفجار الإعلامي الذي دوى من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وبات التلاعب بالمعلومة مسألة ميسرة.
إن إصدار قانون ضد متداولي الشائعات التي تمس النظام العام مؤخراً من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام يعد خطوة إيجابية في سبيل الحفاظ على السلم الأهلي، فحين تكبر الإشاعة، يصبح من الصعوبة السيطرة عليها وعلى الأخص في ظل غياب المعلومة الصحيحة وانعدام الشفافية من قبل الجهات الرسمية المعنية، ولقد كان من الأجدى على سبيل المثال أن يظهر للعلن أحد الوزراء المعنيين بتلك الإجراءات الأخيرة سواء الموصين بها أو من ساهم في خروجها بصيغتها النهائية، في مؤتمر صحفي يوضح للجماهير أي سوء فهم وارد لتلك الإجراءات، مجيباً عن عوائد تلك الإجراءات التقشفية على العباد والبلاد وغيرها من استفسارات تهم الجماهير حتى يتسنى للموظفين المتأثرين من تبعات تلك الإجراءات أن يكونوا على بينة من أجل إعادة إدارة أموالهم ومدخراتهم وجدولة قروضهم، فلا يصح التهاون بالعامل الاجتماعي والنفسي عند إصدار قرارات تمس الجمهور ومستوى معيشتهم ومدى تأثير ذلك كله على السلم والاستقرار الأهلي.