سمر المقرن
قبل أيام شاهدتُ فيلماً ألمانياً يطرح قضية جادة بأسلوب كوميدي ساخر. الفيلم يروي عودة هتلر من جديد إلى ألمانيا في عام 2014، ليُفاجأ بعد استيقاظه من غيبوبته أن ألمانيا التي يعرفها تغيرت، ويعثر عليه مذيع تلفزيوني، فيأخذه في جولة حول ألمانيا، ويعرض الفيلم مقابلات حقيقية بين متقمص دور هتلر ومجموعة من المواطنين الألمان، يتراوح رد فعلهم بين الترحيب به ورفضه، والمثير في الفيلم هو رد فعل عدد لا بأس به من الأشخاص، المرحبين بهتلر وخطابه، والكارهين للأجانب واللاجئين، وهذا يتفق تماماً مع توجهات هتلر، التي تزعم تفوق العرق الآري، وتحتقر غيره من الأعراق. الفيلم يحاول القول إن عودة هتلر حقيقية، بوجود أفكارٍ عنصرية تنتشر في ألمانيا وأوروبا، ممثلةً بفوبيا الأجانب، والعنصرية ضد المهاجرين.
الفيلم مقتبس عن رواية صدرت عام 2012، ولقيت رواجاً كبيراً، والقضية الأساسية في الفيلم هي التحذير من موجات العنصرية الضاربة في ألمانيا، وصعود أحزاب سياسية تتبنى خطاباً عنصرياً، وتكرّس فوبيا الأجانب والغرباء، وترفض استقبال اللاجئين القادمين من مناطق النزاعات والحروب. لا شك أن ألمانيا تعيش ما تعيشه أوروبا بشكلٍ عام، وأعني صعود المتطرفين في الحياة السياسية واكتسابهم شعبية كبيرة عن طريق ترديد كلامٍ عنصري ضد الأجانب، وهو الأمر نفسه في أمريكا مع صعود دونالد ترامب الذي يحفل سجله بتعليقاتٍ عنصرية ضد كثيرين، والفيلم يُذَكّر - دون مباشرةٍ فجَّة – أن هذه الأجواء هي التي أوصلت هتلر إلى السلطة، والعالمَ إلى حربٍ مزلزلة.
أعجبني في الفيلم تصويره لكلام المواطنين الألمان العفوي، وهذا يجعل المشاهد قادراً على استنتاج الكثير حول وضع المجتمع الألماني وأولوياته، وكانت الظاهرة الأبرز في سؤال هتلر لهم عن المشاكل التي يرونها في ألمانيا هي إلقاء اللوم على الأجانب. أعتقد أن المواطن الألماني والأوروبي بشكل عام يشعر بالضيق من الأوضاع الاقتصادية، ويحاول أن يحمِّل أحداً مسؤولية تدهور الأمور المعيشية ويصب جام غضبه عليه، والسياسيون المتطرفون يوجهونه باتجاه الأجانب والمهاجرين، على أساس أنهم سرقوا وظيفته وزاحموه في لقمة عيشه، وبذلك تبدأ الموجة العنصرية في الانتشار على أساس خاطئ، لأن المهاجر ليس سبب أزمة هذا المواطن، فهو يعمل في وظائف لا يعمل فيها هذا المواطن، كما أن مجتمعاً مثل المجتمع الألماني يحتاج إلى طاقات شابة لأنه مجتمع يشيخ، ونسبة الشباب فيه تتراجع، لذلك أقول إن العنصرية حليفة الجهل.
خطر في بالي بعد مشاهدة الفيلم أن توجهات هتلر عنصريةٌ بلا ريب، لكن المنتصرين هم من يكتبون التاريخ، لذلك صار هو وحده رمز الشر في تاريخ العالم الحديث، بينما لم يُصوَّر الأمريكيون بهذه الوحشية، رغم أنهم رموا قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي، وقتلوا مئات الآلاف. إنها قوة الإعلام الأميركي، وقدرته على تلميع أمريكا، وتشويه خصومها!