فوزية الجار الله
** أصبحت أفكر كثيراً قبل مديح شيء ما يشدني أو يثير إعجابي، سواء كان حدثاً ما أو اسماً ناجحاً، امرأة أو رجلاً في عالم الثقافة أو العلم أو أي مجال آخر من العلوم الإنسانية.
أصبحت أتردد كثيراً وأفكر كثيراً في استبدال ذلك إذا كان لابد من مديح إلى الحديث مع الطبيعة بمكوناتها الساحرة التي لاتتبدل ولا تتغير، لاتكذب ولاتخدع، سأمتدح القمر المتألق ضياء وأمتدح النجوم الخجولة المتوارية هناك في حافة القبة الزرقاء وأمتدح الأشجار الجميلة والورود المتناثرة الملونة في درب بعيد ذات فصل ربيعي باذخ سخي في بلد غريب، سأمتدح الفصول المنتظمة المتوالية، سأمتدح الكون بأكمله، ومن ثم سأنتهي بالثناء على الواحد الأحد، الصمد جل جلاله خالق هذا الكون ومبدعه، فقد رأيت بالتجربة كيف يتلون البشر وكيف يزيفون أنفسهم وكيف تبدو أنانيتهم وشراستهم إلى درجة يصعب وصفها.
***
** كنت في جلسة مع بعض الزميلات، تحدثت إحداهن عن صديقتها التي قاطعتها منذ زمن خوفاً على زوجها الذي لا يعتبر عالماً ولا شاعراً ولا مفكراً أو مبدعاً ولا حتى لاعب كرة وإنما هو أحد نكرات هذا العالم العابرة، وقد ختمت حديثها قائلة:
(ياللعجب.. لا أدري على من تخاف ولا ممثل هوليود الشهير «ميل جيبسون» في شبابه ؟!) ضحك الجميع بما فيهم صاحبة الشكوى..!
قالت إحداهن معلقة بكل ثقة: لاتقلقي ولاتخافي، هذه الصداقة التي كانت بينكما لن تُنسى ولن تضيع إطلاقاً يوماً ما ستعود إليك، لكن حين تكبران!! لكنها الآن خائفة على زوجها أن يميل إليك ويتركها. ابتسم الجميع بما يشبه الموافقة ماعدا المعنية بالأمر.. فقد غابت ابتسامتها وهي تتذكر مقطعاً من أغنية أم كلثوم (قل للزمان ارجع يازمان).
*****
** رحم الله المغنية الخليجية رباب رددت كثيراً أغنيتها الشهيرة «شالوا الشراع» حتى غاب صوتها، لملمت كلماتها وشالت كل مالها وعليها ورحلت عن دنيانا رحمها الله فقد كانت تملك صوتاً جميلاً.. وقد كنت أعتقد بأن كلمة «شال» كلمة عامية حتى كان أن بحثت عنها فوجدتها كلمة فصيحة من أجمل الكلمات، وحسب قاموس المعاني باختصار:
كلمة شال، جمعها شالات وشيلان.
والشَّالُ: مِلحفةٌ من القماش الخفيف، تُلقى على الرَّأس فتنسدل على الرَّقبة والكتفين..
شالت نَعامةُ القومِ: تفرَّقت كلمتهم، وذهب عزُّهم (آمل ألا يكون ذلك هو حالنا نحن العرب)
شلَّ: (فعل)
شلَّ الخيّاطُ الثَّوبَ: خاطه خياطة خفيفة متباعدة
شلَّتِ العينُ الدمعَ: أرسلته
شَلَّ الصَّبَاحُ الظَّلاَمَ: غَلَبَهُ..
وقد وردت هذه المفردة في أحد الأبيات في معلقة الأعشى الشهيرة:
وَقَدْ غَدَوْتُ إلى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي
شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ