غسان محمد علوان
طالعتنا الصحف قبل عدة أيام بخبر مفاده، أن الهيئة العامة للرياضة تعتزم القيام بالمزيد من الخطوات الصارمة للحد من الهدر المالي للأندية عبر مراقبة أوجه الصرف المالي داخل الأندية، ودراسة تخفيض عقود اللاعبين، وتحديد عدد المدربين لكل فريق خلال الموسم.
وبقراءة سطحية سريعة للخبر، يخيّل للقارئ أن الهيئة العامة للرياضة حريصة جداً على مصالح الأندية، وسلامة المنافسات التي تقع تحت مظلتها، وحماية سمعة الكرة السعودية في الاتحادات القارية والدولية.
لا يساورنا شك أن ما سبق يمثّل (نيّة) الهيئة، ولكن النوايا ليست السبيل الأمثل للوصول للأهداف.
بنظرة سريعة، نجد أن أكبر الأندية ربحاً في العالم خلال موسم 2014 - 2015 كان مانشستر يونايتد الإنجليزي بصافي ربح وصل إلى 190 مليون دولار، يليه ريال مدريد الإسباني بـ 162 مليون دولار، ثم مانشستر سيتي الإنجليزي بـ131 مليون دولار. والسؤال البديهي الذي يجب طرحه هو: هل وصلت هذه الأندية لهذه الأرباح عن طريق تحديد سقف أعلى رواتب اللاعبين؟ أو لعدد المدربين؟ أم أنها مجرد معادلة مالية غاية في السهولة تتلخص في (إيرادات - مصاريف = أرباح)؟
هل الراتب السنوي لبول بوقبا اللاعب الفرنسي العائد لصفوف مانشستر يونايتد والذي يبلغ 72.6 مليون ريال سعودي يدخل ضمن المعادلة السابقة أم لا؟ و هل الراتب السنوي لزميله القادم الجديد للفريق زلاتان إبراهيموفيتش والذي يبلغ 48.2 مليون ريال سعودي يدخل أيضاً ضمن المعادلة أم لا؟
سؤال آخر: هل يجرؤ مانشستر يونايتد أن يتخلّف عن دفع المرتبات الخاصة بلاعبيه (والتي تصرف أسبوعياً في الملاعب الإنجليزية) لأكثر من فترة سداد ثم يقوم بالتعاقد مع لاعبين جدد أو تبديل مدربه؟
سؤال آخر أيضاً: لماذا لم يتعاقد مانشستر يونايتد بالإضافة للاعبين السابقين مع ليو ميسي وكريستيانو رونالدو وكون أقويرو في نفس الفترة، هل لعدم حاجته لهم أو عدم اقتناع بمستوياتهم، أم لأسباب تعاقدية بحتة ترتكز على عدم الإخلال بالمعادلة السابقة؟
في الرياضة، كما في غيرها من المجالات التنافسية لا يهم كم تدفع، ولا يهم كم تكسب طالما أنك تبحث عن إتقان معادلة الربح.
فما الفائدة من أن تصرف مليون ريال فقط في الموسم، وتكون مداخيلك نصف مليون؟
وما العيب في صرف 500 مليون في الموسم، مقابل مداخيل تبلغ 600 مليون ريال؟
كل تلك القوانين والأنظمة التي تنضح بالصرامة وحب الوطن والحرص على مصالح رياضتنا الحبيبة، لم ولن تكون كافية لخلق بيئة رياضية حقيقية، طالما أن الحقوق ليست أولوية، ولا يحاسب المتعثر في السداد على تعثره.
وضع الحواجز، والسقوف الدنيا والعليا، هو تطبيق للوصاية، وليس أخذاً بأيدي الأندية إلى فضاءات أرحب من الوفرة المالية والارتقاء الفني بمستوى اللاعبين السعوديين، أو بنوعية الاستقطابات للاعبين الأجانب أو المدربين.
المعادلة معكوسة جداً، وقراءة المشهد دون تفكر حقيقي، سيزيد الطين بلة.
فهل العقود الكبيرة للاعبين لا يستحقون تلك القيم المالية، هي سبب تدني مستواهم؟ أم أن السماح لمن لا يملك القدرة المالية ويبحث فقط عن الأضواء التعاقدية على حساب قوائم ناديه المحاسبية وقدراته المالية بأن يقدّم تلك العروض الكبيرة التي لا يتم سدادها سوى بالمحاكم أو الفزعات الشرفية أو لا يتم سدادها إطلاقاً وتنتهي بمخالصات بحث عنها المتضرر لتقليل ضرره لا أكثر.
دعوا الأندية تقرّر مصيرها، تحدد مصاريفها، تزيد من مداخيلها، دون تدخل أو وصاية. و فعّلوا دوركم الرقابي والقضائي دون مجاملة لأحد، أو تسويف ووعود لا ترى النور. حتى وإن كلّف ذلك هبوط أو إفلاس أحد الأندية الكبيرة أو معظمها. فمن يقود هذه الأندية ليسوا بجهلة أو أطفال يحتاجون الأخذ بأيديهم للطريق الصحيح. بل هم حالات طارئة على الكيانات، وجدت في ضعف اللوائح، وعدم حرصكم على تأدية الحقوق، فرصة لتحقيق إنجازات شخصية ومكاسب ذاتية، يطول أثرها السيئ كل مفاصل رياضتنا.
ارفعوا شعار الحزم في الحقوق فقط، وستجدون دون جهد منكم، أو خطوات (صارمة) من جهتكم، كيف للسوق أن يتوازن، وكيف أن تطبيق معادلة الربح والخسارة، كفيلٌ وحده بتخفيض الرواتب أو تقليل تدوير المدربين في أنديتنا.
اخلعوا عباية الوصاية، و دعونا ندخل بفكر جديد، لعهد رياضي جديد أكثر نضجاً وعدلاً.
خاتمة...
من لم يحتمل ذل التعلّم ساعةً، بقي في ذل الجهل أبداً.
(الأصمعي)