هاني سالم مسهور
عندما صعد الأمير محمد بن نايف ليلقي كلمة المملكة العربية السعودية أمام هيئة الأمم المتحدة في دورتها الحادية والسبعين تساءلت إن كان رؤساء البعثات الدولية يعون أنهم سيستمعون إلى شخصية مختلفة خاضت ومازالت تخوض معركة شرسة مع الإرهاب، وهذا ما حملته مضامين الكلمة التي وضعت دول العالم أمام «خارطة طريق» أممية لمكافحة الإرهاب.
التجربة السعودية في الحرب على الإرهاب تسبق كثيرا من الدول، فالإرهاب الذي عرفناه ما بعد الثورة الخمينية 1979م وما بلغ من الذروة في أحداث حج 1407هـ كان مؤشراً لارتباط إيران المباشر وغير المباشر مع السلوك العدواني تجاه جوارها العربي، استمرت إيران بعد ذلك في مشروعها التدميري للعالم العربي، سخرت كل إمكانياتها من أجل دعم المليشيات الخارجة عن نطاقات الدولة العربية وأخذت تواصل العبث في لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين.
حملت كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف مضمونا واضحا حيال الحرب على الإرهاب، فالتجربة الشخصية التي خاضها سموه في قيادة المعركة الشاملة ضد الإرهاب تمثلت في رؤية المملكة من على منصة هيئة الأمم المتحدة التي تقتضي مواجهة الإيرانيين بأفعالهم التي تنتهك سيادة الدول، ولم تعد تُخفي دعمها للعناصر الإرهابية فهي تحتفظ بعناصر تنظيم القاعدة بعد فرارهم من أفغانستان في 2001م، كما أن إيران هي التي تقوم بتجنيد الآلاف من المرتزقة الأفغان وترسلهم إلى جبهات القتال في سوريا، إضافة إلى تورطها الكامل في دعم وتمويل وتوجيه الحوثيين في اليمن.
ما شكلته إيران عبر ذراعها «الحرس الجمهوري» خلال العقدين الماضيين هو ما يعيش فيه الشرق الأوسط من فوضى عارمة، وحتى إن هذا الذراع الإيراني أوكلت إليه مهام تهريب المخدرات في استهداف لشباب الدول العربية وخاصة الخليجية منها ضمن نطاق خلخلة الأمن والاستقرار في هذه الدول، وهذا واحد من الملفات المهمة التي تتورط فيه القيادات الإيرانية مما يستدعي وقفة أممية ضدها.
قدمت المملكة أكثر من 139 بليون دولار خلال أربعين سنة من المساعدات الإنسانية والإغاثة لملايين من المتضررين حول العالم، وفي الوقت الذي تعيش دول الاتحاد الأوروبي أزمات شديدة أدت إلى خروج بريطانيا جراء أزمة اللاجئين فإن السعودية تستضيف على أراضيها أكثر من أربعة ملايين يمني وسوري تمت معالجة أوضاعهم القانونية لما يضمن كرامتهم الإنسانية، موقف لم تقم السعودية عبر إعلامها بالترويج له ليس عن ضعف بل لاعتبار القيم والمبادئ التي قامت عليها هذه البلاد من إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم.
كلمة ولي العهد الأمير محمد بن نايف وضعت العالم أمام حلول الأزمات التي تعصف بالعالم العربي في سوريا واليمن وليبيا والعراق، هذا هو قَدرُ المملكة ومكانتها وما تمثله من عمق في الأمتين العربية والإسلامية، هذا المقام يحتم عليها وضوح رؤيتها حول هذه الأزمات فهي تمتلك من الإمكانات السياسية والعسكرية ما يجعل من رأيها وفعلها محسوبا في منطقة لا تكف فيه إيران من نشر الفوضى، كل هذا لم يترك معه سمو ولي العهد تأكيد موقف الرياض الثابت من قضيتنا الأولى فلسطين والمبادرة العربية التي قدمتها المملكة في خطوة سابقة تعزز الريادة السعودية في قيادة الحلول ووضع التصورات الصحيحة للأمن والاستقرار.